/ صفحة 139 /
ولا شك أن على الأزهر في ذلك أكبر قسط ـ كما قلت في حديث لي من قبل ـ فإنه الجامعة الدينية التي تهوى إليها أفئدة المسلمين من كل صوب، والتي تضم طلابا من مختلف أجناسهم نفروا إليها ليفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم، وإذا كان من واجبي أن اوجه علماء هذه الجامعة ومتعلميها تلك الوجهة الصالحة فإن من واجبي أيضاً أن أدعو سائر أهل العلم في مختلف الشعوب والطوائف الإسلامية كي يقوموا بما عليهم من ذل ويبثوا الدعوة للدين والعلم به في أقطارهم ويحثوا على الأخذ بها أبناء وطنهم، حتى يكون الإصلاح عاما، والتوجيه كاملا.
* * *
أما الأمر الثاني وهو أمر الاتحاد وائتلاف القلوب والغض عن كل ما يثير الأحقاد، فذلك أمر له فائدته الكبرى في التعجيل بالقضاء على الضعف والتفرغ لما ينفع المسلمين، ويصلح شأنهم، وإظهار الأمة الإسلامية بمظهر الأمة الواحدة التي تعرف ما لها، وتدعو إلى منهاج واضح مسلم به بين أبنائها.
إن المسلمين جميعاً متفقون على أصول الإيمان الصحيح لا ترى فيهم من ينازع في شأنها أو يختلف عليها، وإنما يختلفون فيما وراء ذلك من المعارف التي خاض الناس فيها قديماً وحديثا والتي لم يكلف الله أحداً منهم باعتقاد شيء معين فيها، ولست أجد فارقا بين اختلاف الناس في قضية من تلك القضايا الكلامية التي لا تمت إلى عقيدة ن العقائد الواجبة واختلافهم في قضية من قضايا النحو مثلا، فلكل وجهة هو موليها، ولا ينبغي أن ينسينا هذا الخلاف أخوَّتنا، ولا أن يحل الرابطة التي اعتصمنا جميعاً بها بمقتضى إيماننا.
والسبيل إلى تحقيق ذلك هو العلم أيضاً، فإن التعمق في البحث سيبين لنا أن الخلاف الذي فرق بين الأمة الواحدة وجعلها طوائف وشيعا هو أقل وأضعف من أن يؤدي إلى ذلك، وإنما ضخمته السياسة الجائرة، والأعداء الذين يفيدون من تفرق الأمة واختلاف أهوائها وتعدد مشاربها، ولوانهم لم يجدوه لخلقوه.