/ صفحه 65/
له نبأ لأنك في جواري فإما يقتلوك طلبت ثأرآ
فإنه لم يتضمن إلا علة الجوار لطل ثإر حمامته لا أقل ولا أكثر، بينما نري في شعر جساس أكثر من علة لأخذ ثأر (سراب) وهو فوق ذلك لم تحدثه نفسه بأخذ الدنيانير عوض ثأره مهمال بلغت كما قعل زياد، وأنه لم ير كفئا لدم الناقة ـ سراب ـ إلا مهجة ابن عمه "كليب" حامي حمي تغلب، وسيد ربية لكها، حتى طحنت الحرب جماجم لها ميم بكر وتغلب، وقد استعرت نيرانها بين ابناء الأعمام أربعين سنة، فكان ـ دم كليب ـ مثلا من الأمثال.
فهل يا ترى كان كليب وجساس وثور بن شحمة مجير الطير في الجاهلية على مذهب المانوية لحمايتهم الحيوان؟ وهل كانت تعاليم الإسلام العالية في رحمة البهائم وبيض الطيور، وكذلك وصايا الصحابة الكرا، وأحكام فقهاء الشريعة وأهل الحديث من هذه الأماة، ونطام الحسبة في الإسلام بشأن الرفق بالعجماوات. كل ذلك مستمدا من المانوية الكاذبة؟ كما وصفها المتنبي الحكيم.
تخَبِّر أن المانوية تكذب و كم لظلام الليل عندي من يدٍ
أليس من الأرجح والأفضل، القول بأن زياداً الأعجم ذلك الشاعر الإسلامي العربي المجاهد في سبل الله، كان قد استمد خياله الشعري في أبياته من التقاليد العرية الإصيلة، وتعاليم الشريعة المحمدية السمحة، من قبل أن تشيع الفاحشة المانوية في الوسط الإسلامي بأجيال. وما اتهام شعر زياد بالمسحة المانوية من قبل الأديب الكبير الأستاذ أحمد أمين بك ومقلديه، إلا كاتهم الجاحظ للأصمعي بالمانوية، حين اختلفا في مسألة (القدر).
وبعد فإن ما بسطنا من الكلام المفصل يكفي للبرهان على أن حمامية الحيوان كانت من الفطرة العربية السلمية، ومصداق الرحمة الإسلامية قبل أن تعرف المانوية الملحدة في ديار العرب والمسلمين، وفي هذا مقنع لرائد الحق والإنصاف؟