/ صفحه 429/
بين الأمة الإسلامية، وأن هذه الخلافات لم تفقت عندها، بل شملت الفقة والأحكام التشريعية، وأنها لم تكن في هذه الناحية عنيفة، وإنما كانت تجرى في هدوء وسكينة ووقار لا يسيطر عليها إلا العلم والحجة والبرهان، وهكذا كانت ريح الفقه تجرى رخا حتّى نما وزكا وأينعت ثمراته، ولذلك استطاع الفقه الإسلامى أن يقف عالى الرأس عزيزاً كريماً.
ثم جاءت بعد ذلك طبقات من المقلدين والمتعصبين للمذاهب، كلت هممهم عن حمل ما كان يحمل سلفهم من العلم والنظر، وصادف ذلك عهود الضعف السياسي، وحكم أكثر المشتغلين بالفقه على أنفسهم وعلى جميع أهل العلم في زمانهم بأنهم ليسوا أهل للنظر والاستنباط، ولا لفهم كتاب الله وسنة رسوله، ومن ثم حكموا بإغلاق باب الاجتهاد، وترتب على ذلك أن وقف الفقه وجمد، وأن تعصب كل منهم لرأى إمام وزعم أنه الحق وأن ما سواه باطل وأسرفوا في ذلك إسرافاً بعيداً، تم حصروا الأئمة الذين أوجبوا اتباعهم في عدد معين، وهكذا ضاق أفق الأتباع والأشياع عما اتسع له أفق المتبوعين، وضاقت بهم دائرة الفقه الإسلامي، وركدت ريحه وصوح نباته.
ولكن إخواننا قد استطاعوا في العهد الحاضر أن يتخلصوا إلى حد بعيد من آثار هذه العصبيات التي تنكرها الشريعة حتّى جاء صريحاً في صحيفة (91):
ولعلهم يشهدون في القريب العاجل إن شاء الله مذاهب إسلامية أخرى يدرس فقهها في الأزهر كما يدرس فقه المذاهب الأربعة، ويومئذ يحق لهم أن يستوفوا جهات الفخر برجوع الفقة الإسلامى إلى مجده الأول يوم كانت الأراء المحتكة، والحجج المتقابلة، والأدلة ووجهات النظر، هى مادته وغذاءه وعمدته في التنوير الفكرى والوصول إلى الحق، لا قول فلان ولا رأى فلان.
ونتيجة هذا المقال لزوم انفتاح باب الاجتهاد على مصراعيه قولا وعملاً لحاجة الأمة إلى رعاية مصالحها الدينية والدنيوية في كل عصر وزمان.