/ صفحه 414/
الذين يتوخون صالح الأمة، ويعملون على توجيهها إلى ما فيه صلاح الجميع، فهم هداة يجلسون على أرفع مكان فوق القمة، يقولون الحق لا يسألون الناس عليه أجرا، ويأمرون بالعرف، وينهون عن النكر، ليس عليهم سلطان إلا لرب العالمين في الأمر والنهي؛ فان قصر هؤلاء القادة، أو أهملوا واجبهم فهم آثمون أو غاوون "واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين".
على أن تقصير القادة ـ إن أعذر بعض أفراد الأمة ـ لا ينجى الأمة نفسها من المسئولية العامة التضامنية التي تجمع أفرادها فيما يشبه سلسلة متساوية الحلقات لا يدرى أين طرفاها، لأن الإسلام يسر لا غموض في مبادئه، وليس فيه أسرار يختص بها العلماء والقادة دون العامة "و لقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر".
ولقد أهمل قادة الفكر الإسلامى واجبهم، ولم يؤدوا للأمة ولا لله ما عليهم، في عصور مضت ـ معذورة أو غير معذورة ـ طبعت بطابع الجمود، وخيم عليها الهوي، وتحكمت فيها الشهوات السياسية، فاستخدم العلم فيها لتركيز الدول، وتأييد مذاهب الحكام في إسراف بعيد عن حقائق الدين، وروح الإسلام، فتفرقت الأمة شيعا وأحزابا "كل حزب بما لديهم فرحون" فاحتربت في سبيل سيادة بعض عناصرها لافى سبيل الله، ونقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، وقطعت الأرحام، وسادت فيها العصبيات الجنسية وحلت محل الأخوة الإسلامية، كماساد التعصب المذهبى وحل محل الحرية الفكرية التي قررها القرآن العظيم، وأطلت السياسة من ثغرات الأهواء على أهل العلم فرسمت لهم مناهيج البحث لتأييد ما يريدونه، بدل أن يوجه العلماء بأبحاثهم أهل السياسة إلى وسائل الخير وسبل الصلاح، فحجروا على العقول وقيدوها بما يشبه العقيدة، وزعموا أن للاجتهاد بابا فأغلقوه، حتّى لا ينظر أحرار الفكر من خلاله في صوالح الأمة، فجعلوا الدين إرثا وتقليدا، لا عقيدة يؤمن بها المسلم عن طريق الفكر والاقتناع وبذلك يصدق قول القائل: "إن المسلمين غير مؤمنين" وصحيحين وصف الإمام الشيخ محمد عبده للمتعلمين بـ "أنهم يتعلمون كتبا لا علما" ووقف رجال المذاهب الإسلامية جامدين على مذاهبهم حتّى خيل جمودهم لبعض الغربيين أن هذه