/ صفحه 405/
صدْق العَاطفه
في الشِعْر الشيعيْ
لحضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ عبد الجواد رمضادر
المدرس في كلية اللغة العربية
كل مسلم شيعي؛ وكأن الشاعر الذي يقول:
كاختلاط الضيا بماء العيون حُبْ آل النبى خالط قلبي
إنما يترجم عن عاطفة كل مسلم؛ وهل التشيّع إلا حب آل محمد؟ ومن هذا الذي لا يجب آل بيت رسول الله الألى أذهب الله عنهم الرجس وطهورهم تطهيرا؟
أحباى ما عاشوا وأهل ثقاتي مَلامَك في أهل النبى فإنهم
على كل حال خيرةُ الخِيرات تخيرتهم رُشْداً لأمرى فإنهم
و زد حبهم يارب في حسناتي(1) فيارب زدنى من يقينى بصيرة
هذا الحب الذي هو شعبة من شعب الإسلام، ظاهره عواطف أسى عميقة على ما أصاب أهل هذا البيت من كوارث، وما اصطلح عليهم من محن، وما عتوارهم من نكبات، في مختلف الأوطان والعصور الإسلامية، مما جعل حديثه شجى كل نفس، ولو عة كل قلب؛ ولم يلطف من طغيان هذه العواطف، أنّ آل البيت أنفسهم كانوا هم المغامرين دائما، بطلبهم للخلافة، واستبسالهم في سبيل الوصول إليها، ومن طلب الحسناء لم يغلها المهر؛ وإذا كانت النفوس كبارا، تعبت الأجسام في مرادها؛ بل زادها اشتعالا وتأججاً، أن المبالغة في التنكيل بهم أظهرتهم في مظهر المظلومين المعتدى عليهم، فكان العطف عليهم أعم، والتأثر لمصابهم أوجع.
هذه العواطف غير المشوبة، ولا المصطنعة، أضفت على الشعر الشيعى كله لوناً حزيناً باكياً، تحته جيشان نفسى ثائر؛ ذلك لدمهم المطول، وهذا لحقهم الممطول، وبين هذا وذاك، فخر يفرع السماء بر وقيه، ومجد يطاول الأجيال، فكن ناصبياً، أو أمويا، أو خارجيا؛ قحطانيا أو عدنانيا؛ واقراأ شعر الشيعة، فإنك ـ بلا ريب ـ واجد فيه مصداق ما أجملت.
ولئن قيل إن مصرع الحسين بن على رضى الله عنهما، على مبلغ فجيعته، لم يُوْثر فيه شعر يستحق أن يرْوَي، وهذا حق، لقد كان ذلك لتهيب الشعراء جانب بنى أمية، وخشية قوارعهم.
هؤلاء ثلاثة من فحول الشعراء العباسيين، أحدهم عباسي، والآخران شيعيان يتناولون معنى واحدا، فيختلفون في أدائه اختلافا واضحا، ويختلف أثره في النفوس كذلك اختلافا واضحا، ولكن الذي لا يشتبه ولا يختلف هو أصالة العاطفة في بعض، واصطناعها في بعض.
يقول الكميت بن زيد، محتجا لبنى هاشم علي بنى أمية في إحدى هاشمياته:
فلم أر غصبا مثله يُتَغَصَّب بخاتمكم غصبا تجوز أمورهم
و يقول مروان بن أبى حفصة، حتجا لبنى العباس على الطالبيين، في لا ميته التي مطلعها:
بيضاءُ تخلط بالدلال جمالها طرقّتْك زائرة فحى خيالهَا
و التي يقول يونس به حبيت لمروان: إنها أجود من لا مية الأعشي، التي مطلعها:
غضْبى عليك، فما تقول بدالها؟ رَحَلَتْ سُمَيةُ غدوةً أجْمالهَا
ـــــــــــ
(1) دعبل الخزاعي.