/ صفحه 392/
الأيوبية كلها في قبضة العادل ـ سنة 1200م ـ غدا الكامل شخصية بارزة في الحرب والسياسة، وشئون الحكم في الولايات؛ ثم ولاهّ أبوه نيابة السلطنة في مصر، فضل على هذه الولاية التي جعلته سلطاناً بالفعل ـ لا بالاسم ـ حتى وفاة العادل سنة 1218م، والصليبيون وقتذاك راسون بمراكبهم الكثيرة عند الشمال الغربى من دمياط، وفى عزمهم الاستيلاء على هذا الثغر المصرى الهام، والإهواء منه عاجلا أو أجلا على البلاد المصرية، ابتغاء القضاء على مركز المقاومة الإسلامية ضد الصليبيين بالشرق.
تلك حال مصر من الناحية الحربية، حين خلف الكامل محمد أباه في السلطانة؛ ولم تكن الحال السياسية أقل حرجا في معسكر الأيوبيين عند المنزلة العادلية ـ قبالة بلدة بورة ـ حيث علم السلطان الكامل أن جماعة من كبار الدولة وقادة الجيش يريدون خلعه، وإقامة أخ صغير له في السصلطنة مكانه. ولئن استطاع الكامل أن يتغلب آخر الأمر على هذه المؤامرة، فإن الشكوك والمخاوف والريب التي ملأت صفوف المسلمين حوّلت السلطان جنوباً إلى بلدة أشموم طناح، وبذا أضعفت الجهود التي بذلت لإبعاد الصليبيين عن دمياط، بل أدّت إلى استيلائهم عليها أواخر سنة 1219 م بعد حصار طويل، امتلأت بأخباره كتب المعاصرين الشرقيين والغربيين من المنثور والمنظوم. ومن هذه ـ نقلا عن المراجع الأوربية ـ أن الصليبيين فزعوا أشد الفزع من كثرة قتلى المسلمين، وأنهم فرحوا أكبر الفرح بما استولوا عليه من الغنيمة والعتاد وتمعن المراجع الإسلامية في وصف ما حدث منذ أوائل الحاصر، فتقول إن حامية دمياط صامدت الحصار وقاوته مقاومة مجيدة، وأنها رضيت ويلات الحرب وقلة الأقوات، وغلاء الأسعار وانتشار الأمراض، ولم تقبل التسليم إلا بعد أن امتلأت الطرقات والمساكن بالموتى والطرحى من الجوع، حتى إذا سلّمت وضع الصليبيون السيف في الناس، وأسرفوا في قتلهم. ومع هذا كله لم يلبث السلطان الشاب، الذي تمرّس بأخلاق أبيه وسياسته وتجارب الحكم معاً، أن عمد إلى معالجة المشكلة الصليبية الرابضة بجيوشها في ديماط عن طريق المفاوضة والمصالحة، بشرط جلاء الصليبيين