/ صفحه 385/
يعتقدون، وإنك لتعجب إذ تسمع أن بعض الصحابة حاوروا الرسول في عبارات وردت في صلح الحديبية لأنهم لا يرونها متفقة مع ما قدموا من جهاد، وبذلوا من أرواح، حتّى أرجعهم الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الجادة، مبينا أن الموقف يقتضى من ناحية الحكمة ما فعل.
كذلك كان شأن الخلفاء والأمراء من بعده حتّى عمر ـ وهو من تعلم شدته ـ كان يقبل أن تحاسبه العجوز، وقد رجع إلى الحق على يده مرتكب حين طلع على عورة منه من ظهر البيت لا من بابه، إلى غير ذلك من شواهد لا نريد الاطالة بذكرها.
فمبدأ مسئولية رئيس الدولة أمام الأمة مبدأ مجمع عليه، أو في حكم المجمع عليه وبذلك كان الإسلام متفقاً مع المباديء التي يسمونها ديمقراطية، وهى من بدائه الإسلام.
وإن كان ثمت عيب في طور أو آخر من أطوار التاريخ الإسلامي، فليس العيب عيب الإسلام، وإنما هو عيب الذين ينتسبون للإسلام دون فهم له، ويحاولون أن يسبغوا على تصرفهاتهم ثوب التشريع الإسلامي، فيُعرِّضوا الإسلام لكلام هو أبعد ما يكون عنه.
فليطمئن الباحثون إلى أن الإسلام دين ديمقراطية كما يلهجون، وأن مبادئه صالحة لمسايرة أرقى العصور على شرط أن يكون على وفق المباديء العامة الإسلامية.
و الله جل جلاله البناء الحق فيه هو الأساس وكيف لا
والمبادئ العامة التي هى ـ كما يرى العقلاء ـ لصالح البشرية عامة، متفقة مع الإسلام.
وصلة الخليفة بالشعب، صلة الوكيل بالموكل، أو الأجير بالمؤجر، وقد عبر عن ذلك أبو العلاء المعرى في قوله:
ملَّ المقام فكم أعاشر أمة أمرت بغير صلاحها أمراؤها
ظلموا الرعية واستجازوا كيدها وَعدَوْا مصالحها وهم أجراؤها
ولا شك أن المؤجر من حقه أن يحاسب أجيره على كل ما يبدو منه، وقد جاء في قول عمر وهو يخطب: "لو وجدتم في اعوجاجا فقوموه" فيرد عليه واحد من عامة المسلمين"لو وجدنا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا" فيقول عمر: "الحمد لله الذي جعل في أمة محمد من يقوم أعوجاج عمر بسيفه".
فالمسئولية موجودة، وتقويم الشعب للخليفة جائز ولو بحد السيف.
فهل في الدنيا مسئولية كتلك، وهل في الدنيا محاسبة أكثر من هذا، ومن أراد الاستقصاء أكثر من هذا فليرجع إليه في مكانه، فالخليفة مسئول أمام الأمة، وهى تحاسبه، ولها أن تعزله متى رأى في ذلك مصلحة، وهو مختار منها، والأمر لها أولا وآخراً، وحقها غير قابل للتنازل أو التحويل.
ويكاد رأى المسلمين في نظرتها السياسية في هذه الناحية يشبه نظرية روسو في العقد الاجتماعي، وحق الأمة، وعدم قابليته للتحويل.
وإن كان علماء المسلمين الذين كتبوا في الأحكام السلطانية لم يبينوا طريق المسئولية، فقد أثبتوها جمعياً، وإذا رأت الأمة أن تنظم طريق المسئولية وتضع لها قواعد ونظما، فليس الإسلام بمانع من شيء من ذلك بعد ما أعلن أن كل فرد من المسلمين من أى جنس أو لون أولغة بعرض أن يكون خليفة متى رأى ذلك أهل الحل والعقد. والفكرة العامة في ذلك أن أى تقصير من الخليفة يقوم عوجه رأى الأمة وسلطانها، وأن المصير إليها؛ فلا ضير في أن يكون الخليفة أى شخص كائنا من كان.
أظننا قد أوفينا على الغاية في هذا الموضوع الذي نراه جديراً بالتقديم بين يدى البحث الموضوعى في نظام الحكم، وإلى اللقاء في مقال آخر، والسلام؟