/ صفحه 298/
أوطان الشرق العربى جميعاً؛ ومن ذا الذي ينسى أنه في الوقت الذي كان غردُ صبرى وشوقى وحافظ يملأ آفاق النيل، كان غرد الكاظمى والرصافي، والزهاوي، يملأ آفاق الرافيدين؛ وغرد اليازجية وأرسلان والزركلى يملأ آفاق بَرَدَي، وغرد الخطيب يملأ آفاق سلع والعقيق. الخ الخ.
وقديماً كانت الأندلس تزخر بالشعراء من كل صنف وجنس، ويندر بينهم الفحول، على حين كان الشرق العباسى تتصاول فحوله في كل مضطرب وميدان.
فأما اختلاف الثقافتين، فإنه لا يصلح وحده علة لوقوف الشعر، إذ ليست الثقافة مصدراً للشاعرية، وإن كان لها أثرها الذي لا يجحد، في اتجاهات الشعر ومذاهبه، وفى أخيلته وأساليبه، وإنما مصدر الشعر الموهبة، تدفعها السلائق والملكات في عهد السليقة والملكة؛ وتربيها الثقافات في عصور الحضارات والصناعة؛ ولقد كان العرب شعراء" في بداوتهم وبداءتهم، ولم يقل أحد إنهم كانوا على شيء يصح أن يسمى علما أو ثقافة في عصور الحضارة؛ وكان الإسلاميون شعراء، وإنما كانت ثقافتهم تضطرب فيما يتصل بالقرآن الكريم من العلوم الإدبية البَدائية التي لا تخرج عن الدين واللغة، ولم يكن للعلوم الطبيعية والفلسفة التي تسمي: علوما، على الحقيقة والاطلاق، في حياتهم ظل؛ وأئمة النقاد مصفقون على أن أقوى الشعر وأقومه، شعر البداوة والطبيعة، عند العرب، وعند غيرهم من الأمم.
ولعل من أقوى الأسباب التي وقفت بالشعر؛ عجز الخيال الذي هو عماده ومعتصمه، عن التحليق في أفق أرفع من الآفاق التي اخترقتها الحقائق العلمية في هذا العصر الصاخب المتمرد الجبار: عصر الذرية والأدروجينية والأطباق الطائرة، التي أخملت شياطين الشعر وفاقت أفانين السحر!