/ صفحه 285/
والمنقول من الإجماع ليس بحجة، وإن كان الناقل ثقة عادلا، وعالماً محتاطا لأن نقله يرتكز على الحدس، على النظر والجتهاد، وعدالة الناقل إنما تنزهه عن تعمد الكذب، ولا تعصمه عن الغفلة ولاشتباه، ثم إن الإجماع لا بد فيه من التتبع التام لأقوال الفقهاء، وتفهم كلماتهم تفهماً صحيحاً، وبأى شيء نحرز أن تتبع الناقل:ان تاما، وأن فهمه كان مستقيا؟ فالانسان حسن الظن بنفسه خاصة الفقيه، هذا وقد رأينا كثيرا من لفقهاء ينقلون الاجماع في محل الخلاف، يختلف اثنان منهم في حكم واقعة، فيحتج كل على صاحبه بالاجماع! بل رأينا الواحد منهم يفتى بأمر مستدلا عليه بالاجماع وبعد حين يتبدل اجتهاده فيفتى بالعكس مستدلا بالاجماع أيضاً.
وأوَّل بعض الأعلام هذا التهاف بأن ناقل الاجماع ينظر قول بعض الفقهاء، فيحسن الظن به، وينقل الإجماع اتكالا على قوله، أو أن الناقل يستنبط الفتوى من دليل أو قاعدة أو أصل ولعتقد أن هذا اذليل مجمع عليه فينقل الإجماع لذلك، وأياكان ناقل الإجماع، ومنشأ نقله فلا يسوغ الاعتماد عليه بوجه، لأن نقله يرتكز على الاجتهاد والحدس، لا على البصر والحس.
أما الاجماع المحصل، وهو ما حصل من تتبع الأقوال واستقرائها فمتعسر جدا لأن السبب في اعتباره وحجته هو كشفه عن وجود حجة متعبة في واقع الأمر اطلع عليها المجمعون، وخفيت علينا نحن، والإجماع إنما يكشف عن هذه الحجة الثابتة إذا اتفق المتقدمون والمتأخرون من الصدر الأول إلى يومنا هذا، أما اتّفاق أهل عصر واحد أو عصرين فإن دلى على شيء فإنه يدل على وجود حجة عند المجمعين أنفسهم، لا في واقع الأمر وحقيقته، وخاصة إذا كان في مورد الإجماع دليل أو أصل يصلح مستندا للحكم الذي اتفقوا عليه، فإن الاجماع ـ والحالة هذه ـ لا يكشف عن شيء أبدا، ويكون المعتمد هو الأصل أو ولو في واحد منهم ييقط الاجماع عن الاعتبار، وليس لدينا أية حجة نستند إليها لإلغاء هذا الاحتمال، لأنه يرجع إلى النظر والفكر، ولا يتنزه عن مثله عالم ولا عادل مهما بلغت منزلته العلمية والدينية.