/ صفحه 281/
المال في أيديهم سواء أكان ذلك بسبب التفريط والإهمال، أم بسبب قهرى مع التحفظ الكامل، والاحتراز التام.
وبعد أن تواترت الأدلة على أن غير الغاصب لا يضمن شيئاً مما تلف في يده إلا مع التعدى والتفريط اختص الضمان والتغريم بالغاصب، والمفرط المهمل، وخرج عن الحديث أكثر هؤلاء، ولا يختلف في هذه الحقيقة اثنان، ولكن لو علمنا أن مال الغير تلف في يد زيد، ولم نعلم أكان المال غصباً في يده كى يضمن على كل حال، أو بطريق مشروع، فلا يكون سبيل لصاحب المال على ذى اليد إلا مع ثبوت التعدى والتفريط، أو علمنا أن المال في يده بطريق شرعي، ولم نعلم أكان تلفه بغير تقصير كى ينتفى السبيل عنه؛ أو بسبب تر التحفظ كى يجب الضمان؟ فهل يسوغ الاعتماد على حديث اليد لا ستخراج حكم الفرد المشتبه، أو أن الحديث مجمل بالنسبة إليه؟ وحيئذ يتعين الرجوع إلى الأصول العملية، والأمثلة كثيرة من الكتاب والسنة، وللبحث تأثره البالغ في جميع أبواب الفقه.
والمعروف من سيرة القدامي، هو التمسك بالعام والرجوع إليه في حكم الفرد المشتبه؛ فبيعُ النسيئة مع زيادة الثمن لأجل الإمهال صحيح عندهم تمسكاً بأوفوا بالعقود، وصاحب اليد ضامن مع الجهل بأنها شرعية عملا بعموم: على اليد، لأن العام بمقتضى وضعه ظاهر في جميع الأفراد، فيجب النعمل به حتى يثبت العكس فأوفوا بالعقود يشمل أنواع العقود وأفرادها جميعاً، وعليه يكون دليلا شرعياً على وجوب الوفاء بكل عقد من غير فرق بين الربوي، وغير الربوي، ولا ترفع اليد عن هذا الدليل إلا بحجة مثله أو أقوى منه، ولا شيء يوى أدلة حرمة الربا ومفادها عدم الوفاء بما ثبت أنه ربوي، أما غيره من العقود فيجب الوفاء به أخذاً بالعموم، وكذا يجب الحكم بالضمان، إذا دار أمر اليد بين أن تكون يد ضمان أو غيرها استناداً إلى عموم: على اليد.
أما المتأخرون من فقهاء الإمامية فمنعوا الالتجاء إلى العام لإجماله في هذه الموارد وأمثالها، وأوجبوا الرجوع في حكمها إلى الأصول العملية، لفقدان النص،
ومحصل ماذكره دليلا على ذلك أن قرينة التخصيص إما متصلة بالعام، أى أنها جاءت والعامُّ في كلام واحد، ومثلوا بأكرم العلماء إلا الفساق، وإما أن تكون منفصلة أى وردت في كلام مستقل عن العام، ومثلوا بكلامين مستقلين، أحدهما: أكرم العلماء والثانى لا تركم فساق العلماء، وعُلم أن زيدا عالم، ولكن لم يُعلم أهو عدل كى يجب إكرامه، أو فاسق كى لا يجب؟ وذكرنا مثالهم بالذات، لآنه أخصر وأوضح مما قدمناه من الأمثلة، والنتيجة واحدة في الجميع، وهى عدم جواز الاعتماد على العام في حكم الفرد المردد.
أما مع الاتصال فلأن القرينة المتصلة بالعام توجب قصر ظهوره ودلالته على خصوص الأفراد التي أرادها المتكلم، فأكرم العلماء إلا الفساق ظاهر في إرادة العلماء غير الفاسقين، ولا