/ صفحه 272/
يفتك بهم البرد والجوع والمرض، والمسلمون يسرحون ويمرحون لا ينصرونهم إلا بالكلمات الفارغة، والتأوهات الكاذبة. أما والله لو أن تلك الدول تركت عرب فلسطين يحاربون اليهود بأنفسهم لما استطاع اليهود أن يتغلبوا على قرية من قراهم أو قطعة من أراضيهم. لم يكتف المسلمون بخذلان اخوانهم وتسليمهم إلى اليهود، بل كانوا ولا يزالون حتى اليوم عونا لليهود، يساعدونهم بكل ما في وسعهم من تهريب وغيره؛ بل بصنعون لليهود ما لا يصنع اليهود لأنفسهم؛ كل ذلك من آثار التقاطع والتخاذل بين المسلمين؛ فلا جامعة تجمعهم ولا رابطة تربط بعضهم ببعض، وتعطف بعضاً على بعض، لذلك حقت عليهم كلمة العذاب، ولا يسمع الصم الدعاء إذا ولؤا مدبرين.
نعود فنقول إن جمعية التقريب تريد أن تقرب بين الطوائف الإسلامية وترفع العداء المستحكم بينهم، وتدعوهم إلى الأخذ بما أمرهم الله به من الاعتصام بحبل الإسلام، وأن لا يتفرقوا ويتنازعوا فتذهب ريحهم، ويتسلط عليهم أذل عباده وأرذل خلقه؛ وليست هذه الفئة المباركة بأول من نهض بهذه الدعوة وقام بهذه الفكرة، بل سبقهم إلى ذلك جماعة من المخلصين الغيارى على السلام والمسلمين كالسيد الأفغانى وتلميذيه الشيخ محمد عبده والكواكبى وغيرهم؛ سوى أن هؤلاء كانت دعوتهم بصفة فردية، ورجال التقريب قاموا بها بصفة جمعية؛ ولعل الحق جل شأنه بعناية إذا علم بإخلاصهم وصدق نياتهم يجعل لدعوتهم ثمراً جنياً، وأثراً حسيا.
أما هذا العاجز فقد أهبتُ بالمسلمين وصرختُ فيهم بهذه الدعوة منذ عهد سحيق كما تشهد بذلك مؤلفاتنا التي طبعت قبل زهاء أربعين سنة، كالدين والإسلام والمراجعات وغيرهما. ثم ملأنا الصحف والمجلات بإيقاظهم من نومهم، وبعثهم من موتهم، وألقينا مئات الخطب على المنابر في عواصم الإسلام،