/ صفحه 27/
وهم أنفسهم يتبارون في التودد للعمال استجلابا للانضمام إليهم والعمل معهم، وليس ذلك موجودا في الشيوعية.
نظام الإسلام المالي قد بني على أسس أخرى من أهمها ربط الحياة الاقتصادية بالحياة الخلقية، بالحياة الاجتماعية، بالحياة‌ الدينية، فلم ينظر إلى الإنسان على أنه مجرد حيوان اقتصادي، بل شرع في الأمور المالية بحيث يمتزج الاقتصاد بالقانون بالأخلاق، فإذا كان الربا من الناحية الاقتصادي مباحاً كالبيع إذا كان الربا في حدود معتدلة، فإن الأخلاق لا ترضي عنه من حيث سوء العلاقة‌ بين معطي المال بالربا وآخذه، ولذلك حرمه الإسلام غير ناظر إلى الناحية الاقتصادية وحدها. ثم هو وضع التعاليم الأخلاقية التي تكره الإنسان في اختزان الذهب والفضة‌ من غير أن يعين إخوانه الفقراء من الناس كأن يقول: إن الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم .
وقد حارب الإسلام مشكلة‌ المشاكل وهي الإفراط في الغني، والإفراط في الفقير بوسائل شتى منها منا ذكرنا من تحبيب الناس بعضهم في بعض، وعطف الغني على الفقير، والنظر إلى الجانب الخلقي بجانب النظر إلى الجانب المالي ووردت في ذلك الآيات الكثيرة والأحاديث الكثيرة التي تشعر الإنسان بأخيه الإنسان وتجبه إليه، وتحننه عليه.
ومن ذلك أيضاً أنه حرم الإفراط في الملاذ وطلب الاعتدال فيها، ناظرا إلى أن الغني إذا لم يفرط في ملاذه ولم يجد منافذ للإنفاق الكثير في شهواته، ولم يجد المال نافعا في الانغماس في نعميه، تحول بالضرورة إلى النظر إلى الفقراء ومساعدتهم ومعونتهم . فمثلا حرم على الرجال لبس الحرير والتحلي بالذهب، وكره الأناقة في المساكن والملابس، وحبب إلى المؤمنين التخشن حتى لا يفقدوا رجولتهم، وحرم الخمر والميسر والزنا، وكلما من قبيل الإفراط في اللذات حتى لا يستتبع ذلك الجشع في طلب المال والحرص على اكتنازه.