/ صفحه 246/
ديمو قراطبّه الإسلام
لحضرة صاحب السعادة محمد على علوبه باشا
رئيس جماعة التقريب
( الديمقراطية ) لفظ مكون من كلمتين: "ديموس" ومعناها: "الشعب" و"كراتوس" ومعناها: "سلطة" فالمعنى التركيبى لها هو: "سلطة الشعب".
وهى كلمة إغريقية دخيلة في اللغة العربية لم يتداولها الناس قبل القرن الحاضر. فلم يكن العرب في صدر الإسلام على التصال بما أنتجه العقل الإغريق، من علوم ومعارف، وثقافات حتى العهد العباسي، الذي بدأ العرب يترجمون فيه التراث الإغريقى إلى اللغة العربية.
وإذا جاز أن يكون العرب قدسمعوا في هذا العهد عهد الترجمة كلمة"الديمقراطية". فقد كان هذا السماع مقصوراً على دائرة ضيقة من العلماء الذين ترجموا أو التصلوا بالمترجمين ولم تشع في ذلك الحين، ولم تستعمل بين الجمهور للدلالة على هذا المعنى الخاص الذي تدل عليه اليوم.
وليس معنى هذا أن العرب كانوا يجهلون مدلولها، الذي تذل عليه اليوم، كما كانوا يجهلون الفظ، فالعرب أحرار بطبيعتهم، وديمقراطيون بطبيعة تكوينهم وبيئتهم، وسنرى هنا الى أى مدى كان الإسلام وديمقراطيا في نزعته. وتشريعه. في تكييف حياة المسلمين العلمية.
قام نبينا الكريم (صلى الله عليه وسلم) يدعو الناس إلى التوحيد والفاضائل، في بلاد تفشت فيها عبادة الأوثان والجهالة. وكان القوم في بلاد الحجاز عاكفين على الظلم واستبداد، وعلى أعمال السلب والنهب، وعلى الغزو والتقاتل، وعلى الخمر والميسر. وعلى التفاخر بالأنساب، وقوة الشكيمة والأتباع، وكثرة النفر والنفير.
وكانت بلاد الحجاز بلاداً جراداء قاحلة، كلها صحارى وجبال ووهاد ونجاد. عف الفاتحون عنها فبقيت في عزلة واستقلال. وظل أهلها متمتعين بحرية الحركة والانتقال. يتصرفون في أمور هم كما يشاءون، من غير أن يكون لهم وازع إلا المصلحة القبلة والعصبية والوثنية.
وحول هذه الصحراء القاحلة كان يوجد من جهة الشمال إمبراطوريتان عظيمتان، هما: إمبراطورية الرومان الشرقية. وإمبراطورية الأكاسرة "إمبراطورية الفرس". ويوجد من جهة الغبر البحر الأحمر. ومن جهة الشرق صحراء. ومن الجنوب بلاد اليمن، وكان لا يؤبه بها في ذلك الحين.
ومن حيث الحكومة وشئون السياسة كانت بلاد الفرس تحت حكم الطغيان، أى حكم الفرد المستبد الذي لا يخضع في حكمه لا لما يمليه عليه عقله وإرداته.
أما بلاد الرومان الشرقية. وهى التي كان يعبر عنها العرب بأمة الروم فقد كان لها إمبراطور يحكمها، وكانت ذات قوانين وضعية كان أهمها التشريعات التي وضعها "جوستانيوس" في القرن السادس من الميلاد، فوضع ما يسمى (ديجست) و(انستيوت) و(نوفل) و(القوانين).
وبالرغم من تلك القوانين، ومن الشرائع التي وضعت أيام جوستانيوس وقبله فقد كانت هذه الامبراطورية مقطعة الأوصال، مفككة العري، عم فيها فساد الحكم والطغيان، وانتشرت فيها المحاباة والرشوة، حتى ضعفت قوتها وفككت.
وأما العرب فكما قلنا كان لا يتحكم فيهم إلا التقاليد القبيلة، والمصالح والنزعات والشهوات.