/ صفحه 243/
أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين، وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا، قالوالو نعلم قتلا لا تبعناكم، هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان، يقولون بأفواهم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون الذين قالوا لإخوانهم وقعدا: لو أطاعونا ما قتلوا، قل فادرموا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين". "ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة، ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين".
وأخذت تشرح لهم في شأن هذه الواقعة إلى أن تقول بيانا لواقع الأمر عند الله "إن ينصركم الله فلا غالب لكم وأن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون".
ثم لا يفوت السورة ـ وهى تحدثهم عما أصابهم من هزيمة في أحد ـ أن تبين لهم أن هذا إنما هو ابتلاء منه الله وتمحيص للمؤمنين، والعاقبة لهم على كل حال: "ما كان الله ليذر المؤمين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب، وما كان الله ليطلعكم على الغيب، ولكن الله يجتبى من رسله من رسله من يشاء، فأمنوا بالله ورسله، وأن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم" "و لا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح فقد مس القوم قرح مثله، وتلك الذيام نداولها بين الناس".
وتقول في شأن مكانة الذين قتلوا في سبيل الله عند الله، تحريضا لغيرهم على الاستشهاد، وعلى الاخلاص، " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله فضله، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون، يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين" وهكذا تشرح السورة لهم بمناسبة هذه الواقعة ما يجب أن يتحلى به المؤمنون من الاعتماد على النفس، والثبات والإخلاص وعدم التأثر بالأراجيف، وتبين لهم أن لاجيش له حياة مستقلة عن حياة شخص القائد، وأنه لا ارتباط بين موقفه وما يصيب القيادة، إلى غير ذلك من أنواع التعليم والتأديب التي لا غنى عنها لجيش يريد العزة والحياة الطيبة.
ثم تعود السورة مرة أخرى إلى النهى عن مظهر من مظاهر الاغترار بالمال وهو البخل به عن الإنفاق في سبيل الله: "ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شرلهم، سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة".
ثم تنبههم إلى أن الشأن في أرباب الحق أن ينالهم من نصراء الباطل كثير من الأذى بالقول والعمل، وأن واجب المؤمنين أن يتلقوا كل ذلك بالصبر "لتبلون في أموالكم وأنفسكم، ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا الذي كثيراً، وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور".
بعد هذا كله تختم السورة الكريمة بأمرين عظيمين:
أحد هما: رسم الطريق الذي يصل به الإنسان إلى معرفة الحق والإيمان به: "إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لأيات لأولى الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعوادا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلفت هذا بالطلا سبحانك فقنا عذاب النار".
والثاني: هذه النصيحة الغالية التي ما تمسكت بها أمة إلا تركزت وسمت وعزت، وما تخلت عنها أمة إلا أصيبت بالضعف والانحلال والتدهور والانحطاط والذل والهوان:
يأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون"؟
رسالة الإسلام:
إن هذا النهج القويم الذي يسير عليه في تفسير كتاب الله، أستاذنا العلامة الشيخ شلتوت؛ لنهج فريد يحق لنا أن نعتز به، ولقرائنا الكرام أن يحرصوا