/ صفحه 202/
لكلمة "السيادة" للدولة المستقلة التي لا سلطان فوق سلطانها، ولا تخضع لغير إرادتها في مقدراتها، ومعنى ذلك أن الله هو السيّد المطلق لكل عبيده، والرسول ممثل لسيادة الله بتنفيذ أحكام شرعه لا سلطان لغير الله عليه، والمؤمنون ـ الأمة ـ هم خلفاء الله ورسوله في تمثيل سيادة الله وسلطانه، وبلفظ أو ضح: إن الله قد جعل السياده له على الأمة الأسلامية وجعل هذه السيادة بعد الائه نفسها لا لفرد من أفرادها، وبذلك تم معنى سيادة الفرد على نفسه، ومساواته تماماً لأخيه في كل نواحى الحياة، ومن هنا صح توجيه الخطاب إلى الأمة، كما قلت فيما سبق: إن القرآن عرف الأمة أو لا، وعرف الفرد عضوا من أعضائها إلا أنه قضى على استبداده بها.
قد يسأل البعض: إذا كانت نظرة القرآن هكذا إلى الانسانية وكرامتها، وإذا كان قد منح كل إنسان حق الحياة في حرية وأخوة ومساواة، فما باله يبيح استرقان الإنسان للإنسان، ويبيح للمسلمين جبر غيرهم على معتقداتهم؟! وهذا سؤال وجيه نجيب عليه بإبحاز.
1ـ نظر الإسلام إلى الرق على أنه أمر اجتماعى اقتصادى قامت عليه آثار إبحابيية في حياة البشر قرونا طويلة، ورأى الإسلام إن أسبابه غير محدودة ولا مضبوطة، فعالجه علاجا خاصا يشبه إلى حد بعيد علاجه لمشاكل الخمر ومفاسدها فمن ناحية الأسباب، أو طرق الاسترقاق المتعارفة إذ ذاك. ألغى جميع هذه الأسباب وتلك الطرق، وقصره على حالة واحدة هى حالة الحرب بين المسلمين وغيرهم، فمن أسَره المسلمون فهو رقيق مالم يدخل في الإسلام قبل أسره، وبذلك كان الإسلام من أسباب الحرية، لا من وسائل العبودية، ومن أقام على معتقده فهو رقيق للمسلمين، وقصد بذلك وضعه في بيئة الإسلام ليمحصه على مهل، ويراه عمليا عسى إن تتهذب نفسه وتهفو إلى مباديء اليسر والخير، وكثيرا ما أسلم الأسرى عن هذا الطريق، وبلغة العصر، وقد عزله ـ كما يعزل المريض ـ عن بيئته على أمل أن يصح، وبهذا انحصر الرق في دائرة ضيقة؛ ومن ناحية أخرى