/ صفحه 179/
2ـ أن يكون المتكلم في صدد بيان الأحكام ومتعلقاتها وأجزائها وشرائطها،و كل ماله تأثير في مراده، أمالو كان في صدد التشريع فحسب كقوله تعالى: أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة الوارد لبيان أصل الوجوب من غير تعرض لبيان الأجزاء والشرائط، فيمتنع التمسك بالإطلاق.
2ـ أن لا ياتى المتكلم بقرينة متصلة أو منفصلة تصلح لصرف الظاهر عن ظاهره. والمطلق عن إطلاقه، كما لو قال: اسقنى الماء، وعقب بما يدل على أنه لن يشرب ماء المطر، فالقرينة أخرجت هذا النوع من الماء عن مراد المتكلم وطلبه، فاللفظ يصدق عليه بما هو ماء بقطع النظر عن الحكم، ولا يصدق عليه بما هو مطلوب ومأمور به.
هذه شروط ثلاثة لا بد من وجودها جميعا لصحة التمسك بالإطلاق، وإثبات الحكم لجميع الأفراد، ومتى اختل واحد منها كان الدليل مهملا بالنسبة إلى افرد المشكوك، والشروط الأول غير متحقق فيما نحن فيه، لأنا نعلم علم اليقين أن الذبح المستلزم للطمر أو الإحراق لا يسمى هدياً في عرف الناس مع قطع النظر عن الحكم، ولا أقل من الشك في الصدق وصحة التسمية، وعليه لا يمكن التمسك با لإطلاق لأن تشخيص أن هذا الفرد من الهدى أو من غيره ليس من شأن الشارع ولا الواضع.
ولو سلمنا جدلا أن الهدى يصدق في حالة الطمر أو الحراق نقول: إن الشرط الثالث منتف لوجود الأمر بالأكل والاطعام في الكتاب والسنة، قال تعالى: "فكلوا منها وأطعموا" وهناك عدة روايات في هذا المعنى، وقد نص الفقهاء في كتبهم على وجوب الأكل والتفريق، وبينوا مقدار ما يؤكل ويُطعَم.
فالتقرب إلى الله تعالى بالذبح مع وجود الآكل مبنى على اقول بأن الشرع تعبدنا بإراقة الدماء مطلقا، ولا أثر لهذا القول في لسان الشرع، وإنما فهمه الفقهاء من الهدى المأمور به شرعا، ومتى كانت لاأفهام حجة في إثبات الدين وأحكامه؟ إن دين الله لا يصاب بالعقول.
وإذا لم يكن في البين مبدل منه لا نتفاء الأمر فلا يبقى مجال للبدل والاستبدال والأصل يقتضى البراءة لعدم وجود النص في الصورة الفرضية.
ولكن ترجح الصدقة بثمن الهدى من باب الاحتياط في الدين، على أن لاينوى الحجاج بصدقته هذه البدل عن الهدى، بل يقصد التقرب المطلق كسائر الصدقات