/ صفحه 166/
وإجلاء الملايين عن بيوتهم، وتشرد الكثيرين في الآفاق، وانفصام روابط الأسر بل انعدامها، حتى أصبح رب الأسرة لا يأمن على نفسه، ولا يطمئن على أهله، ثم التعذيب والنفي، ومعاملة الناس كالرقيق، وإعدام آلاف الأسرى بشكل جماعي في معسكرات الاعتقال، حتى ان هيئة الأمم اقترحت عقد اتفاقية تحرم "القتل الجماعي" ؛ كل هذا قضى على الأخلاق، ومسخ في أعين الناس معاني الفضيلة فأصبحنا نرى العلماء أنفسهم ـ وهم أصحاب العقول الناضجة والفكر المستنير ـ يتفاخرون بصنع ما يدمر ويخرب ويفني البشر، فهذا يتيه بصنع قنبلة تقضي على مليون في أقل من ثانية، وذاك يفتخر بتوفيقه إلى صنع قنبلة أخرى أشد وأقوى، يبقى أثرها في الأرض ألف سنة. وسواء أصدقنا هذا أم لم نصدقه، فإن إعلان الفريقين لهذه الأخبار، يدل على مدى الانهيار الخلقي ؛ واشتغالُ العلماء بما ينزول بالعالم الدمار والهلاك، ويهدد البشرية بالفناء، أكبر دليل على أنعدام المبادئ الإنسانية.
على أثر هذا، بدأ المفكرون يبحثون عن طريق للنجاة من هذا الوضع الوحشي ويفتشون عن نظام ـ لا ينبعث عن الميول السياسية والنزوات الحزبية ـ بل يقوم على قواعد سليمة يضمن للبشرية العيش في راحة وسلام، ولا يمنعها من التقدم في كل نواحي الحياة، والتقى أكثرهم عند فكرة الأخذ بدعوة روحية، وهي فكرة نرى لها أنصاراً وأعواناً في كل بلد وصقع يزدادون يوماً بعد يوم.
وعندنا نحن المسلمين، قانون إلهي، يضمن السعادة البشرية، ويقضي على الوحشية والبربرية، ويقيم موازين الاجتماع بالعدل، ويحرّم قتل النفوس، ويحض على التواصي بالخير والفضل، ويؤمّن الفرد على نفسه وعرضه وماله، ويشبع الفقير الجائع، ويشفي الغني المتخوم، ويضع للحرب قوانين إنسانية، إذا احتيج إليها.
فلماذا لا نخرج بنور شريعة الإسلام على هذا العالم المضطرب، كما خرج المسلمون الأوائل على العالم المحيط بهم من الفرس والروم إثر حروبهما، واختلال أوضاعهما، وضعف العقيدة الدينية في أبنائهما، فتقبل الناس دعوتهم، واطمأنت القلوب إلى دينهم ونظامهم واستقرت بهم أمور الدنيا بعد اضطراب عاصف، وقلق شديد