/ صفحه 150/
القانون، بل لقد فرق في قلب المدنيات الأوربية نفسها بين الحقوق السياسية للدول الكبرى والدول الصغرى، وأيا ماكان فان مظمة السلام هذه لم تحظر غزو منشوريا، ولافتح بلاد الحبشة، وأخيرا شكلت (جمعية الأمم المتحدة ) بعد الحرب العالمية الثانية، فماذا رأينا؟ أليس روح التفريق وعدم المساواة لا يزال مسيطرا فيها على عقول السادة الذين يتحكمون في مصير الإنسانية؟ انه لا حاجة بنا إلى محاولة اقامة البرهان على ذلك، فهذه الحوادث التي تجرى تحت سمعنا وبصرنا وهذه الحلول العوجاء التي تطبق عليها في أحضان هذه الجمعية الحديثة تنطق _ بأفصح بيان _ بأن الضعفاء والمظلومين الذين كانوا يبنون آمالهم على مثل هذه المؤسسات لم ينلهم حتى الآن إلا حسرات تتلوها حسرات
* * *
إذا أردنا أن نظفر بتشريع دولي عام يصطبغ بالصبغ العالمية الحقيقية، فعلينا أن نصعد بذاكرتنا إلى عصر رسول الإسلام.
كلنا نعرف أن محمدا عليه الصلاة والسلام لبث زهاء عشر سنين في اتصال دائم بأمم وديانات مختلفة معادية طورا ومسالمة طورا، وطبيعي أن هذه الظروف الخاصة التي جعلت الإسلام سلطاناً زمنياً وحكما عالمياً _ إلى جانب كونه عقيدة روحية، ومبدأ اخلاقيا _ كانت تتقاضاه أن يضع تشريعا لقانون السلم والحرب بين الأمم، فماذا فعل؟ وهل كانت اجابته لهذه الحاجة الملحة شافية لغلة المتشرعين، مرضية للضمائر السليمة لدى الحكماء وذوى الخلق الكريم؟
لاشك أن دراسة مستوعبة لهذه الناحية من التشريع الإسلامي تتطلب تحثا عميقا، لا للعهود والأقضية النبوية وحدها، بل للمعاهدات التي وضعها الخلفاء والملوك الاسلاميون أيضا في غضون التاريخ، ولكنه ليس من غرضنا في هذا المقال أن نجعل مجال بحثنا بهذه المثابة من السعة والاستقصاء، وكل ما يعنينا الآن هو أن نستخلص ما في القرآن والسنة النبوية من المبادئ الأساسية، والخطوط الرئيسية في هذا الشأن.