/ صفحه 10/
أنزله على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: "ذلك الكتاب لا ريب فيه، أي هذا هو الكتاب الذي تفرد بالسمو من بين الكتب، وتنزه من جميع نواحيه عن أن يكون محلاً للشك، أو يدانيه الشك. فهو حق لا ريب فيه، نزل بالحق من عند الله، وبين الحق الذي يرضاه الله، وأخبر بالحق الذي يعلمه الله.
ثم بين بعد ذلك أن الانتفاع بالحق لا يكفي فيه مجرد أنه حق، وأنه مبرأ من العيب والشك، بل لا بد في الانتفاع به من استعداد ظاهر يُتقبل به ذلك الحق، ويندفع الناس معه إلى طريق النظر فيه، وبذلك كان الناس أمام القرآن وما أنزل الله فيه من هداية، طوائف ثلاثا:
الطائفة الأولى:
طائفة المتقين، وهم الذين حافظوا على فطرهم التي خلقهم الله عليها، فاتقوا ما يفسدها، ويحول بينها وبين إشراق الحق، فلم تعبث مظاهر المادة باستعدادهم لإدراك ما غاب عن أبصارهم وحواسهم من الحق الثابت، في نشأة العالم، وإبداعه، وتدبيره، ولا بما يجب عليهم من وصل قلوبهم وأرواحهم بالله الذي خلقهم، وأنعم عليهم، بالمحافظة على وسائل المراقبة، واستشعار العظمة الدائمة على الوجه الذي ينمي الصلة بين العبد وربه، ولا بما ينبغي من معونة الإنسان لأخيه الإنسان والجود بقسط من المال في سبيل تخفيف أعباء الحياة عنه: "الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون"
وكما لم تعبث مظاهر المادة باستعدادهم لهذا الإدراك؛ لم تمعنهم العصبية ‌الفاسدة لما ورثوا أو عرفوا من قبل، أن يتقبلوا الحق الذي يصدق ما عندهم وإن بزعت شمسه من غير سمائهم: "والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة وهم يوقنون".
من سلمت فطرته من هاتين العلتين: تسلط المادة والعصبية الفاسدة هم المتقون، وهم الذين ينتفعون بالكتاب، وهم الذين يهتدون به، ويصلون إلى أقصى