/ صفحه 432/
التسمية وقد اغتر بها من قال باتحاد الاسم والمسمى، والتسمية عبارة عن جعل المسمى ووضعِه الاسمَ للمسمى، كما أن التحلية عبارة عن فعل المحلي ووضعه الحلية على المحلَّى، فهنا ثلاث حقائق: اسم، ومسمى، وتسميه، كحلية، ومحلّي، وتحلية، وعلامة، ومعلم، وتعليم، ولا سبيل إلى جعل اللفظين منها مترادفين على معنى واحد، لتباين حقائقها، فإذا جعل الاسم هو المسمى بطل واحد من هذه الحقائق الثلاث ولابد، فإن قيل ما شبهة من قال باتحادهما ؟ فالجواب: شبهته أشياء، منها أن الله تعالى هو وحده الخالق، وما سواه مخلوق، فلو كانت أسماؤه غيره لكانت مخلوقة، ويلزم إلا يكون له اسم في الأزل ولا صفة، لأن أسماءه صفات، وهذا أعظم ما قاد متكلمي الاثبات إلى القول باتحادهما، والجواب عن كشف هذه الشبهة: أن منشأ الغلط في هذا الباب من إطلاق ألفاظ مجملة محتملة لمعنيين حق وباطل، فلا ينفصل النزاع إلا بتفصيل تلك المعاني، وتنزيل ألفاظها عليها، ولا ريب أن الله تعالى لم يزل ولا يزال موصوفا بصفات الكمال المشتقّة أسماؤه منها، فلم يزل بصفاته وأسمائه، وهو اله واحد له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، وصفاته وأسماؤه داخلة في مسمى اسمه، وإن كان لا يطلق على الصفة أنها إله يخلق ويرزق، فليست صفاته وأسماؤه غيره، وليست هي نفس الاله، وبلاء القوم من لفظه " الغير " فإنها يراد بها معنيان: أحدهما المغاير لتلك الذات المسماة بالله، وكل ما غاير الله مغايرة محضة بهذا الاعتبار فلا يكون إلا مخلوقا، ويراد بها مغايرة الصفة للذات إذا جردت عنها، فإذا قيل علم الله وكلام الله غيره، بمعنى أنه غير الذات المجردة عن العلم والكلام، كان المعنى صحيحا، ولكن الاطلاق باطل، فإذا أريد أن العلم والكلام مغاير لحقيقته المختصة التي امتاز بها عن غيره، كان باطلا لفظا ومعنى " (1).
ومن هذا يتبين أن خلاف القوم ليس بذى خطر بعد اتفاقهم على الإيمان
*(هوامش)*
(1) ص 101، 102 من الجزء الأول من كتاب: " لوائح الأنوار البهية " للسفاريني طبع مجلة المنار سننة 1323 هـ، نقلا عن " بدائع الفوائد " لابن القيم.