/ صفحه 372/
" كان العالم يختال بالعلم الذي هو ثمرة جهود بذلت في عدة قرون. وكانت الوحدة والبساطة سائدة بفضله في كل مجال من مجالاته … ".
" دامت هذه العقيدة في المقررات الكبرى للعلم العصري حافظة لقوتها إلى أن حدثت في الأيام الأخيرة مكتشفات غير منتظرة قضت على الكفر العلمي أن يكابد من الشكوك ما كان يعتقد أنه قد تخلص منه أبد الدهر. فإن الصرح العلمي الذي كان لا يرى صدوعه الا عدد قليل من العقول العالية، تزعزع فجأة بشدة عظيمة وصارت التناقضات والمحالات التي فيه ظاهرة للعيان، بعد أن كانت من الخفاء بحيث تكاد لا تبلغها الظنون … ".
" تلك المكتشفات التي توهت بها آنفا قد كشفت اللثام عن الظنيات التي بدأت تفضحها الكتب الحديثة، وبذلك دخل العلم نفسه في دور من الفوضى كان العلماء يظنون انه سلم منه أبد الآبدين … ".
" وقد كتب المسيولوسيان بوانكارية (العلامة الرياضي الكبير) من جهته يقول: إنه لا توجد لدينا نظريات كبرى الان يمكن قبولها قبولا تاماً، ويجمع علها المجربون إجماعاً عاماً، بل يسود اليوم على عالم العلوم الطبيعية نوع من الفوضى، واتسع المجال للإجتراءات الممكنة، ولم يظهر أن ناموساً من النواميس ضروري ضرورة مطلقة، فنحن نشهد في هذه الاونة أعمالا هي أشبه بالهدم منها بإقامة بناء نهائي. فالآراء التي كانت تظهر لمن سبقنا كأنها تأسست تاسساً ثابتاً، صارت اليوم لدينا موضوعاً للمناقشة ".
ثم ختم العلامة (جوستاف لوبون) هذا الفصل بقوله:
" من حسن الحظ لا شئ أحسن ملائمة للترقي العلمي من هذه الفوضى. فالوجود مفعم بمجهولات لا نراها، والحجاب الذي يحجبها عنا منسوخ غالباً من الآراء الضالة أو الناقصة التي توجبها علينا تقاليد العلم الرسمي. فلا يمكن عمل خطوة للإمام إلا بعد تفكك عرى الآراء السابقة، والأشد خطرا على تقدم العقل الانساني هو تقديم الظنيات للقراء لابسة حلل الحقائق المقررة، على نحو ما تفعله.