/ صفحه 357/
واذا كان هذا واضحاً بالنسبة لاجماع المجتهدين ـ وهم أقل عدداً بلا ريب من المحققين ـ فكيف عرف إجماع المحققين على منع تقليد أعيان الصحابة ؟ وكيف أمكن نقل هذا الاجماع ؟
ولندل على رأي الائمة في الاجماع، نثبت هنا ما قاله الامامان الجليلان الشافعي وأحمد رضي الله عنهما: قال الشافعي في الرسالة: ما لا يعلم فيه خلاف فليس بإجماع. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت ابي يقول ما يدعي فيه الرجل الاجماع فهو كذب، من ادعى الاجماع فهو كاذب، لعل الناس اختلفوا، ما يدريه ولم ينته إليه ؟ فليقل: لا نعلم الناس اختلفوا.
هذا ونصوص رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أجل عند العلماء من أن يقدموا عليها توهم إجماع مضمونه عدم العلم بالمخالف، ولو ساغ ذلك لتعطلت النصوص، وساغ لكل من لم يعلم خلافا في حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف، على النصوص.
ولكن ضعفاء الأحلام، ومن لم ينضج عليهم صاروا يدعون الاجماع عند عدم العلم بالمخالف قبل البحث عنه، ولم يكف الناس ما هم فيه من شر ادعاء الاجماع كذبا حتى زادوا لهم شيئا سموه إجماع المحققين.
والخلاصة أنه يجوز تقليد غير الأئمة الاربعة متى صح النقل عنهم، وفهم مرادهم، وسنثبت في فصل آخر إمكان صحة النقل عن غير الأئمة الأربعة، ومما ينبغي الاشارة إلى فساده ما قاله صاحب الاشباه، وهو: " الخامس مما لا ينفذ القضاء به ما إذا قضى بشئ مخالف للإجماع وهو ظاهر، وما خالف الأئمة الأربعة مخالف للإجماع، وإن كان فيه خلاف لغيره، فقد صرح في التحرير أن الاجماع انعقد على عدم العمل بمذهب مخالف للأربعة لانضباط مذاهبهم، وانتشارها، وكثرة أتباعهم، فان هذا مبنى على اعتبار حصول الاجماع، وهو غير صحيح.
لأن الذي حصل هو قول ابن الصلاح بالمنع بناء على إجماع المحققين، وقد عرف ما في هذا كله من الفساد.