/ صفحه 294/
الطلاب من كل جنس ودين، يكون لها في باب الدعاية لمصر والعرب والاسلام أثر أكبر بلا شك، وأفضل عائدة من كثير من دورها الرسمية في أوربا. هذه حقيقة لا ريب فيها، شغلنا الحديث طويلا فيها هناك، حتى لقد كتبت أنا واثنان من إخواني بذلك رسميا للقاهرة مباشرة، ثم للسفارة المصرية بباريس ولكن من يسمع.
والطلاب المصريون في باريس، وإن كان لكل منهم نهجه الخاص في فهم الحياة، يسعى بعضهم للقاء بعض، ويجتمعون جميعاً جماعات حين تنوب نائبة أو يحدث حدث في مصر أو في غير مصر من بلاد العروبة والاسلام: يجتمعون ويتناقشون في الامر، حتى يخلص لهم الحق أو ما يرونه حقا، وحينئذ يحس كل منهم أنه سرى عن نفسه، وأرضى عاطفته الوطنية والقومية.
كم كان لنا اجتماعات، وجدل وقرارات، بخصوص فلسطين ! وكم أثلج منا الصدور، وأحل فيها السكينة والثقة ببلوغ الهدف، إعلان مصر ـ ممثلة في رجالها وكبرائها المسئولين ـ الجهاد في سبيل فلسطين، متضامنة في هذا مع بلاد العروبة جميعا حينئذ كان كل عربي يفخر بجنسه، وكان المصري خاصة يرى أن أمته في طليعة الامم جميعاً في الشرق والغرب. ولكن ما كان أسرع زوال هذه الأحكام !
والان أنقل لقراء " رسالة الإسلام " حديثا من تلك الاحاديث التي كانت تدور بيننا. والامر في هذا الحديث يتصل بي وبزميل كريم فحسب، ومداره شئ آخر غير فلسطين ومشاكل العروبة المعروفة عامة:
ذات مساء حيث الليل هادئ ساكن، وقد أوى القوم إلى مضاجعهم يستريحون من نصب النهار، الا طالب علم أو طالب لهو، يدخل الي هذا الصديق فأفرح للقائه كعادتي، ظنا أنه جاء يشاركني ما أنا فيه من متعة روحية، بعد أن أجهده من العمل ما اجهدني. بيد أني لا ألبث أن أتبين أنه جاء لغير ما قدّرت، جاء لينتزعني من هذا الجو الحالم العلوي السعيد الذي كنت أحياه آنئذ، ولينقلني إلى جو آخر ان يكن جداً وحزماً، فإن له للوعة وألما.