/ صفحه 271 /
إعادة النفي لكونه عابدا ما يعبدون، وكونهم عابدين ما يعبد وذكر ذلك مرة واحدة يغني ؟ وما وجه التكرار في سورة " الرحمن " لقوله تعالى " فبأي آلاء ربكما تكذبان " ؟
هذا هو السؤال الذي طرحه على المجلس، السيد المرتضى، فأثار به معنى يراود النفوس ويداخلها وكثيرا ما يسأل عنه السائلون، لا ترددا في بلاغة القرآن وسمو بيانه، ولكن تطلعا إلى درك أسراره، وتذوق معانيه، ولم يزل ذلك لونا من ألوان التطبيق البلاغي والأدبي تُمَرن به الملكات، وتشحذ العقول وتطمأن القلوب.
ثم بدأ الشيخ يلقي الجواب، فلخص أولا ما ذكره ابن قتيبة في معنى التكرار وهو أن ا لقرآن لم ينزل دفعة واحدة، وإنما كان نزوله شيئا بعد شئ، فكأن المشركين أتوا النبي (صلى الله عليه وسلم) فقالوا له: استلم بعض اصنامنا حتى نؤمن بك ونصدق بنبوتك، فأمره الله تعالى بأن يقول لهم " لا أعبد ما تعبدون " ثم غبروا مدة من الزمان وجاءوه فقالوا: اعبد بعض آلهتنا واستلم بعض أصنامنا لنفعل مثل ذلك بإلهك فأمره الله تعالى بأن يقول لهم " ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد ".
ولكن السيد المرتضى لم يعجبه هذا التوجيه فرده وأبطله، وتالله إنه لمحق، فما كان الكتاب الكريم ليخضع لمثل هذا التمزيق الذي يريد أن يمزقه به هؤلاء وأمثالهم، وما كان هذا وجها يرتضيه الذوق الأدبي والبلاغي في أسمى كتاب جاء مطابقا للبيان الشريف، والأدب الرفيع. ولذلك رده السيد، وانتقل إلى غيره فذكر أوجها ثلاثة كل واحد منها أوضح مما ذكره ابن قتيبة، ولا نطيل بذكر الأوجه الثلاثة وإنما نذكر أولها فحسب، وهو ما حكى عن ثعلب من قوله: " إنما حسن التكرار لأن تحت كل لفظة معنى ليس هو تحت الأخرى، وتلخيص الكلام: قل يأيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون الساعة وفي هذه الحال، ولا أنتم عابدون ما أعبد في هذه الحال ايضا، وقال من بعد: ولا أنا عابد ما عبدتم