/ صفحه 20 /
ولا ينسى) وقوله تعالى: (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً) ويهجمون على الغيب بما لم يأذن به الله، ويجدون من العلماء من يؤيدهم ويشجعهم ويزكيهم ويتمنى أن يكثر الله من أمثالهم !
إن هؤلاء في عصرنا الحديث لمن بقايا قوم سالفين فكروا مثل هذا التكفير ولكن على حسب ما كانت توحي به اليهم أحوال زمانهم، فحاولوا أن يخضعوا القرآن لما كان عندهم من نظريات علمية أو فلسفية أو سياسية.
ولسنا نستبعد إذا راجت عند الناس في يوم ما نظرية داروين مثلاً ـ أن يأتي إلينا مفسر من هؤلاء المفسرين الحديثين فيقول: إن نظرية داروين قد قال بها القرآن منذ مئات السنين.
هذه النظرة للقرآن خاطئة من غير شك، لأن الله لم ينزل القرآن ليكون كتاباً يتحدث فيه إلى الناس عن نظريات العلوم ودقائق الفنون وأنواع المعارف.
وهي خاطئة من غير شك لأنها تحمل أصحابها والمغرمين بها على تأويل القرآن تأويلاً متكلفا يتنافى مع الإعجاز، ولا يسيغه الذوق السليم.
وهي خاطئة لأنها تعرض القرآن للدوران مع مسائل العلوم في كل زمان ومكان، والعلوم لا تعرف الثبات ولا القرار ولا الرأي الاخير، فقد يصح اليوم في نظر العلم ما يصبح غداً خرافة من الخرافات.
فلو طبقنا القرآن على هذه المسائل العلمية المتقلبة، لعرضناه للتقلب معها، وتحمل تبعات الخطأ فيها، ولأوقفنا أنفسنا بذلك موقفا حرجاً في الدفاع عنه.
فلندع للقرآن عظمته وجلالته، ولنحفظ عليه قدسيته ومهابته، ولنعلم أن ما تضمنه من الإشارة إلى أسرار الخلق وظواهر الطبيعة إنما هو لقصد الحث على التأمل والبحث والنظر، ليزداد الناس إيماناً مع إيمانهم.
وحسبنا أن القرآن لم يصادم ولن يصادم حقيقة من حقائق العلوم تطمئن اليها العقول. قيل: يا رسول الله، ما بال الهلال يبدو دقيقاً مثل الخيط، ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ويستدير، ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يعود كما كان، لا يكون