/ صفحه 19 /
ومن عجيب ما رأينا من هذا النوع أن يفسر بعض الناظرين في القرآن قوله تعالى: (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم) بما ظهر في هذا العصر من الغازات السامة، والغازات الخانقة التي أنتجها العقل البشري فيما أنتج من وسائل التخريب والتدمير، يفسرون الآية بهذا ويغفلون عن قوله تعالى بعدها: (ربَّنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون) (أنَّى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين، ثم تولوا عنه وقالوا: معلَّم مجنون).
روى أن رجلاً جاء إلى ابن مسعود وقال له: تركت في المسجد رجلاً يفسر القرآن برأيه، يفسر قوله تعالى (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين) بأن الناس يوم القيامة يأتيهم دخان فيأخذ بأنفاسهم حتى يأخذهم كهيئة الزكام، فقال ابن مسعود: (من علم علما فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، إنما كان هذا لأن قريشا استعصوا على النبي (صلى الله عليه وسلم) فدعا عليهم بسنين كسني يوسف فأصابهم قحط وجَهد حتى أكلوا العظام، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدخان من الجَهْد.
وأغرب من هذا وأعجب أن يفسر بعض هؤلاء المفسرين الحديثين شأناً غيبياً من شؤن الله الخاصة لم ينزل بتفصيله وحي، ولم يطلع الله على حقيقته أحداً من خلقه، ببعض الظواهر الحاضرة التي اكتشفها العلم واهتدى إليها بنو الإنسان، يفسر: (الكتاب المبين) و (الإمام المبين) الذي تحصى فيه الحسنات والسيئات ويعرض على أصحابها يوم القيامة، بالتسجيل الهوائي للأصوات، ويقول: أظهر العلم ذلك بالمخترعات البشرية، واستخدمه الإنسان فيما يختص بالأصوات، ولا يبعد أن يستخدمه فيما يختص بحفظ الحركات والسكنات والخواطر النفسية، والله القادر خلق الكون على هذه السنن لغاية أسمى من ذلك، هي محاسبة الناس يوم القيامة، وعرض أعمالهم عليهم، كشريط مسجل يضم جميع حركات الناس وسكناتهم وخواطرهم وأقوالهم، وما قدموا من عمل.
يقولون هذا ويفسرون به قوله تعالى: (علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي