/ صفحه 187/
في أصل الشريعة، وبذا أخذت رواية الأدب طريقها إلى الصناعة العلمية، ولقد نهض بها علماء الحديث، بجانب من تفرغ لها من علماء اللغة والأخبار والأيام والمغازي والأنساب والمثالب والمفاخر، وذلك لأنهم جميعاً كانوا يطلبون رواية الأدب للإستعانة به على تفسير ما يشتبه عليهم من غريب القرآن والحديث، وهما أفصح الكلام العربي على الإطلاق، فكان من الضروري رواية هذا النوع، والاستزادة منه، مع شديد العناية به، والاحتياط فيه بالمقدار الممكن، حتى تستقيم آراؤهم، وتنهض حجتهم فيها هم بسبيله من تفسير الغريب والمشتبه، ولا يتم لهم ذلك إلا بما يحتجون به من الشعر العربي والكلام العربي الصحيح، مدعما بالسند، دفعاً لما قد يتهمون به من الوضع والاختلاق.
ولا ريب أن الاتصال الشديد القائم بين الأدب والدين على النحو الذي ذكرنا جدير بحثّ العلماء في ذلك العصر على اتخاذ الحيطة، وصيانة الأدب مع الحديث من عبث أهل الأهواء، وذوي الأغراض من الزنادقة والملاحدة الذين كثروا بكثرة الفرق الإسلامية، وتحزّب الناس شيعاً، إذ كان من هم هؤلاء وهؤلاء ان يتصيدوا الفرص لإشباع أهوائهم بالدسّ والكذب والاختلاق في الحديث وفي الادب، إما للتشنيع على أهل الإيمان كما كان يفعل الزنادقة، وإما لاستدرار ما عند القوم واستمالتهم كما كان يفعل القصاص وأهل الأخبار.
لذلك دعت الحاجة إلى السلوك بالأدب مسلك الحديث إلى أن صارت روايته مثل روايته صناعة علمية محضاً في عهد بني مروان، وكانت قد نشطت فيه الحركة العلمية نشاطاً قوياً، وظهرت فيه الطبقة الأولى من الرواية أمثال عامر الشعبي المتوفى سنة 104 هـ، وحماد الراوية المتوفى سنة 155 هـ وأبي عمرو بن العلاء المتوفى حوالي سنة 157هـ، فإنهم تصدوا للرواية وعقدوا لها مجالسهم الخاصة، فكانوا بهذا المعنى العلمي في أول تاريخها، ولذا كان يكتفى في رواية الأدب بإيصال الإسناد إليهم (1)، ولأنهم ـ لقرب العهد ـ كانوا يدعون أنهم نقلوا معظم ما يروونه عمن أدركوا الجاهليين، أو عمن بعدهم ممن أدركهم، هذا مع ما ذكر
*(هوامش)*
(1) وقد اشتهر الاسناد بعد في كتب الأدب إلى من ولي هؤلاء كالأصعي وأبي عبيدة وابن الكلبي.