/ صفحه 17 /
ذلك ظاهرة خطيرة، هي تفسير القرآن بالروايات الغريبة، والاسرائيليات الموضوعة التي تلقفها الرواة من أهل الكتاب، وجعلوها بياناً لمجمل القرآن، وتفصيلاً لآياته ومنهم من عني بتنزيل القرآن على مذهبه أو عقيدته الخاصة، وبذلك وجدت تحكمات الفقهاء والمتكلمين وغلاة المتصوفة وغيرهم ممن يروِّجون لمذاهبم، ويستبيحون في سبيل تأييدها والدعاية لها أن يقتحموا حمى القرآن، فأصبحنا نرى من يؤول الآيات لتوافق مذهب فلان، ومن يخرجها عن بيانها الواضح، وغرضها المسوقة له، لكيلا تصلح دليلاً لمذهب فلان، وبهذا أصبح القرآن تابعاً بعد أن كان متبوعاً، ومحكوماً عليه بعد أن كان حاكما !
كانت هذه ثورة ! ثورة غير منظمة، عقدت حول القرآن غباراً كثيفاً حجب عن العقول ما فيه من نور الإرشاد والهداية، وكان من سوء الحظ أن صادفت هذه الثورة عهد التدوين، فحفظت ودونت كثير من الآراء الباطلة في بطون الكتب وأخذت بحكم الأقدمية ومرور الزمن نوعاً من القداسة التي يخضع لها الناس، فتلقاها المسلمون في عصور الضعف الفكري، والانحلال السياسي كقضايا مسلمة، وعقائد موروثة لا يسوغ لهم التحلل منها، ولا الاعتداء عليها، ولا التشكيك فيها.
قيّد هذا التراث العقول والأفكار بقيود جنت على الفكر الإسلامي فيما يختص بفهم القرآن، والانتفاع بهداية القرآن، فجمد الناس على تقليد هذه الكتب واتخذوها حكما بينهم، واعتقدوا كل ما فيها من غير تمييز بين حق وباطل، ونافع وضار، واعتقدوا أنه لا يصح لمؤمن أن ينكر شيئاً منها، وقالوا: هذا شئ درج عليه السابقون المتقدمون ودوّنوه في كتبهم، وشرحوا به كتاب الله، وتلقته الأمة بالقبول، وما كان لنا، ولسنا بأعلم منهم بالدين، ولا بأبعد نظراً في فهم أساليب القرآن، وتخريج الأحكام، أن نحيد عما تلقيناه منهم قيد شعرة، ولا أن نخالفه في قليل ولا كثير، وبذلك أسلموا عقولهم إلى غيرهم، وجنوا على أنفسهم بحرمانها لذة التفكير، وجنوا على دينهم باعتقاد أن هذه الأوهام من الدين، وقعدوا عن