/ صفحه 16 /
علينا في هذا العصر، أن الركب سائر لم يقف، ولم يفتر، وأن هذا الروح الكريم ما يزال يسيطر على المسلمين، وينتقل فيهم من جيل إلى جيل يورثه الآباء للأبناء وسيظل كذلك ـ إن شاء الله ـ حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
وهؤلاء هم المسلمون، على تفرقهم في البلاد والأقاليم، وتفرقهم في السلطان والنفوذ، وضعفهم المادي أمام دول الغرب، وبالرغم مما غمروا به وغزوا من علوم متنوعة، وثقافات متعددة ذات ألوان مادية، وأدبية، وإجتماعية، وتشريعية، لا يزالون يعتصمون بالقرآن، ويدينون بقدسية القرآن، ويتآزرون على خدمة القرآن. وإنهم ليستشرفون جميعاً لمطلع ذلك اليوم الذي يعود فيه سلطان القرآن فيكون التشريع تشريع القرآن، والأخلاق أخلاق القرآن، والهدى هدى القرآن، ونرجوا أن يكون قريبا.
واذا كان المسلمون قد تلقوا كتاب الله بهذه العناية، واشتغلوا به على هذا النحو الذي أفادت منه العلوم والفنون، فإن هناك ـ مع الأسف الشديد ـ ناحيتين كان من الخير أن يظل القرآن بعيداً عنهما، احتفاظا بقدسيته وجلاله، هاتان الناحيتان هما: ناحية استخدام آيات القرآن لتأييد الفرق والخلافات المذهبية، وناحية استنباط العلوم الكونية والمعارف النظرية الحديثة منه، وأحب أن أثبت على صفحات هذه المجلة، وبين يدي ما سأكتبه لها من التفسير، رأيي في هاتين الناحيتين واضحاً، فأقول:
أما الناحية الأولى: فإنه لما حدثت بدعة الفرق، والتطاحن المذهبي، والتشاحن الطائفي، وأخذ أرباب المذاهب، وحاملوا رايات الفرق المختلفة، يتنافسون في العصبيات المذهبية والسياسية، امتدت أيدهم إلى القرآن، فأخذوا يوجهون العقول في فهمه وجهات تنفق وما يريدون، وبذلك تعددت وجهات النظر في القرآن، واختلفت مسالك الناس في فهمه وتفسيره، وظهرت في أثناء