/ صفحه 159/
سديد أخذ به أخيراً كثير من علماء الدستور في العصر الحديث، وخاصة الألمانيين منهم الذين رأوا أن الدولة هي الشكل القانوني لحياة الجماعة، وأن مباحث الحكم وما يتصل به هي مباحث قانونية تتناول علاقة الدولة بالافراد من ناحية القانون حتى لقد قالوا في بيان أن الإنسان مدني بالطبع محتاج إلى الاجتماع ببني جنسه ـ قالوا: (إن الشعب في الدولة يتلقى أمراً قانونياً يلزمه بأن يعيش حياة الجماعة، ـ كتاب أساس القانون الألماني للدولة تأليف جرير ـ) وقالوا في شأن الدولة: (إنها شخص معنوي يستمد وجوده من القانون، وله حقوق وعليه التزامات قانونية، ـ نفس المرجع ـ) وقرروا في صدد علاقة الفرد بالدولة (أن مبناها ما بين الاثنين من روابط الصلة القانونية ـ نفس المرجع ـ).
ولعل في هذا الايضاح ما يكفي للرد على ما تساءل عنه أستاذنا الكبير علي عبد الرازق باشا حين قال في بحثه المشار إليه، (ما لهم أهملوا النظر في كتاب الجمهورية لافلاطون، وكتاب السياسة لأرسطو، وهم الذين بلغ من إعجابهم بأرسطو أن لقبوه المعلم الأول ؟ وما لهم رضوا أن يتركوا المسلمين في جهالة مطبقة بمبادئ السياسة وأوضاع الحكومات عند اليونان ؟).
لم يترك علماؤنا الاهتمام بعلوم السياسة عند اليونان غفلة منهم عن تلك العلوم ولكن لأن وجهة النظر في معالجتها قد اختلفت عندهم عنها عند الاغريق.
وقد أطلق مونتسيكيو وبور لا ماكي وجان جاك روسو وغيرهم من علماء علم السياسة على تلك العلوم اسم: (القانون السياسي) وقد أسماها الدكتور محمد حسين هيكل باشا في كلمة له (الفقه السياسي) وذلك تسليماً منهم بالرابطة التي تجمع بين علوم السياسة والقانون.
6 ـ وإذا كانت النظرة الغالبة عند الغربيين إلى تلك العلوم السياسية قد ظلت إلى أواخر القرن التاسع عشر مبنية على أساس من السياسة والاجتماع والفلسفة،