/ صفحه 158/
الصنعة انتهى إليه بالبحث الخاص ولم يقف لأحد قبله على كلام فيه. وهي في نظرنا أول كتاب عرض لعلم السياسة كعلم مستقل ذي كيان خاص.
تعرض ابن خلدون في مقدمته للعمران بصفة عامة وشرح طبيعة الاجتماع وضرورته، وكيفية تنوعه، وما يؤثر عليه، من العوامل وأثر الطبيعة في أخلاق البشر وألوانهم وأحوالهم وعن المجتمع البدوي وخواصه، وعن الحضر، وعن اختلاف الملك وأثر الغلبة في الأمم المغلوبة، وعن الدولة وقيامها بالقبيل والعصبية، وعن خواصها وصورها، وعن أعمارها وأسباب سقوطها وعن تحول الدول من عهد البداوة إلى عهد الحضارة، وعن الملك وأصنافه، وعن الإمامة والخلافة، ورسوم الخلافة من بيعة وولاية عهد، وعن القضاء، وعن الادارة والوزارة والدواوين، وعن الشرطة والجيش، وعن الجزية والخراج، وعن الحروب ومذاهبها، وعن التجارة والصناعة والعلوم. عرض ابن خلدون لهذه النظريات وعالجها جميعاً كما يقول الأستاذ محمد عبد الله عنان في كتابه عن ابن خلدون (معالجة دلت على فضله وعلو مكانته وكان فيها موفقاً غاية التوفيق) نظر ابن خلدون إلى موضوعه الاجتماعي من أفق واسع فجعل من المجتمع الانساني وما يعرض له من الظواهر الطبيعية مادة لبحثه وموضوعاً لدراساته وكان لأبحاث علم السياسة محل كبير من عنايته فعالجها بإفاضة في سلك منتظم الروابط والشواهد، متخذاً من التاريخ عدته في تأييد أفكاره، ومن المنطق السليم طريقاً في توضيحها وجلائها، فكان بحق من أكبر واضعي علم السياسة وبناته.
5 ـ عالج فقهاء المسلمين هذه المسائل على أساس جديد خالفوا به من تقدمهم من فلاسفة الاغريق وغيرهم: نظر فلاسفة اليونان إلى العلوم السياسية نظرة اجتماعية واسعة، ونظر إليها علماء المسلمين نظرة قانونية محضة، وعالجوا مباحثها مع ما عالجوا من أحكام الفقه الإسلامي المختلفة، وهو طريق سليم واتجاه لا شك