/ صفحه 126/
عن الوطن، وحقا في ماله بالبذل والانفاق في سبيل الله، وأوجبت عليه إرشاد الأمة، وأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر، وأوجبت عليه أن يعمل لإنجاب النسل الصالح وتكثير سواد الأمة به، فيختار الولود ذات الدين والخُلق، لتقوى بذلك الأمة ويعلو شأنها.
وفي مقابل هذه الحقوق التي قررتها الشريعة على الفرد للجماعة، أوجبت على الجماعة للفرد حقوقاً لاسعادة الا بها: كفلت له حفظ دمه وماله وعرضه، وشرعت لحمايته حق القصاص وحق الحد والتعزير، وجعلت له حقاً في أن تعينه بما لها إذا افتقر، وبذلك تبادل الفرد والمجتمع الحقوق والواجبات، وجعلت سعادة الحياة منوطة بالتعادل بين الجانبين، وعدم طغيان أحدهما على الأخر، فلو ضن الفرد بنفسه أو ماله أو لسانه على المجتمع ساءت حالته وأدركه الضعف والانحلال، ولو ضن المجتمع بقوته على الفرد فلم يكفل له سعادته، ولم يحفظه في ماله ونفسه وعرضّه، ولم يعنه في حال فقره أو ضعفه، أشقاه وعرضه للهلاك، وبهذا وذاك تصبح الحياة عبئاً ثقيلاً لا يحتمل، بل جحيما لا يطاق !
وكذلك كان شأن الشريعة الإسلامية في تحديد علاقة الأمة بغيرها من الأمم، لم ترض للمسلمين بحياة الضعف والذلة، وأن يكونوا عزلا من القوة ينتظرون حظهم، ويترقبون مصيرهم، وما تقرره الأمم الأخرى في شأنهم، ولم ترض لهم كذلك بحياة الظلم والاستبداد، والفتك بالضعفاء، والاعتداء على الآمنين في أوطانهم وأموالهم، ولكنها أمرت المسلمين بالاستعداد والتقوى بالعدد والعُدة (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) وأمرتهم أن يدعوا إلى الله بالحجة والبرهان لا بالالجاء والقهر (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين).
ونظرت إلى الحرب وأسبابها الداعية إليها والمفضية إلى شب نيرانها نظرة تتفق وغايتها من الصلاح العام والمساواة بين الناس والسير فيهم على سنن العدل والرحمة، فحصرت أسبابها في دائرة معقولة، تتناسب وكونها ضرورة من