ـ(194)ـ
وقد شعرت بها لأول مرة في شبابي في جبال الأرنؤوط بألبانيا؛ فقد دخلت تلك البلاد ولا عهد لي بها ولا معرفة بأحد من أهلها. وكان طريقي إليها من بحر الأدرياتيك، فنزلت(بكاترو) وذهبت إلى(ستنجه) عاصمة الجبل الأسود وقتئذ، وكان أهل الجبل في حالة حرب مع الدولة العثمانية، وكنت متنكرا بصفة مراسل لجريدة إنجليزية، أقصد التطوع مع المدافعين عن(أشقودره) من الترك والألبان، فلمحت في المدينة اسما إسلاميا على دكان، فقدمت نفسي إلى صاحبه، وكأنما كنا على موعدا! رغم أن حديثنا كان بالإشارة. وما لبث أن جاء لي بفقيه يعرف قليلا من العربية، فتفاهمنا، وتولى الرجل بعد ذلك أمري كله حتى وصلت إلى أشقودره، وتنقلت في بلاد الأرنؤوط من الشمال إلى الجنوب، يوصي بعضهم بعضا بي، ولو كنت بين أهلي ما وجدت منهم حبا أكثر مما أوجدته لي الأخوة الإسلاميّة في تلك الأيام العصيبة، أيام حرب البلقان. بل إني لا أزال أذكر أنهم أوجدوا في كل بلد من يعرف العربية ومن يلازمني لخدمتي ومعاونتي.
وهذه الروح ذاتها هي التي وجدتها في شمال إفريقية أثناء الحرب العالمية الأولى. وهي التي لمستها في الهند حينما كان الناس يحفون بي ويستبشرون، ولما علموا أن مصر صارت دولة مستقلة، وأنني رسولها إلى الأفغان فرحوا كأنما أيام عزهم قد أقبلت !
هذه الروح التي خلقتها الدعوة المحمدية إلى الأخوة، هي التي شهدتها كذلك في إيران والأفغان وتركيا والعراق والشام والحجاز وغيرها، وفي كل جولة من جولاتي في بلد لا تزال للإسلام أو بقي فيها مسلمون، وهي التي يخرج بها معتزا الأفغاني من المشرق أو الفلاتي من أقصى إفريقية الغربية فيطوى آلاف الأميال سيرا إلى مكة، متوكلا؛ لأنه يمشي من أهل إلى أهل، ومن إخوان إلى إخوان، حتى يرد المكان الذي جهر فيه محمد بالدعوة إلى