ـ(173)ـ
الذي سن شريعة التسامح بين المذاهب والآراء وفضله على الشيعة عظيم، لأنه خلق لهم صداقات في البيئات السنية، وحفظ له مكانة عالية في العراق بفضل جهاده في الدين والأدب.
يرحم الله الشريف فقد داس الشهوات المذهبية بقدميه فظفر بالإعزاز والتبجيل من الجميع، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
وبعد..فإن الدكتور زكي مبارك، وهو مفكر أديب يعد بما كتبه في عبقرية الشريف الرضي رائدا من رواد التقريب، وداعية من دعاة الإصلاح بين المؤمنين، فما كان أغناه وهو يتحدث عن منزلة الشريف في الكتابة والتأليف عن أن يتحدث عن التقريب ويؤكد على وجوب الدعوة إليه، وما كان أحد يلومه لأنه يعرض للشريف الشاعر المؤلف، وليس الفقيه العالم، ولكن الرجل ما كاد له ان يقع في دراسته على جانب مهم في عقلية الشريف حتى اغتنمها فرصة للدعوة إلى اعتصام الأمة بحبل الله وعدم التفرق والتنازع والاختلاف الذي يؤدي إلى الفشل والخسران، إنه بما صدر عنه في موضوع التقريب منذ نحو نصف قرن يعكس المشاعر الإسلاميّة الطيبة التي يؤذيها أن ترى الأمة وقد تفرقت بها السبل، وتوزعتها الأهواء المذهبية، وهي خير أمة أخرجت للناس، ولن تظل أهلا للخيرية إلاّ إذا ألقت عن كاهلها أوزار العصبية المذهبية، والتقت كلمتها حول أصول دينها، وما اتفق عليه علماؤها، أما ما اختلفوا فيه فليعذر بعضهم بعضا، وليحسن كل منهم الظن بأخيه وليربا بنفسه عن مواطن الزلل في القول والفعل حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
والذي لا مراء فيه أن الأمة الإسلاميّة ما تعرضت في عصر من العصور لما تتعرض له الآن. إن هناك تخطيطا عالميا لقهر الوجود الإسلامي وإبادته، ولا مناص من أن تجتمع الأمة على كلمة سواء حتى تدفع عنها الغارة الباغية وهي غارة تشن عليها من الداخل والخارج،