ـ(17)ـ
فالإسلام يمنح أبناءه شخصية يرون فيها أنهم الأعلون ويسميهم حزب الله وأن حزب الله هم الغالبون. يعلمهم أنهم يجب أن يحافظوا على وجودهم أمام هجوم الأعداء ويقفوا أمامه صفا واحدا كالبنيان المرصوص، وأن لا يهنوا ولا يحزنوا في لقاء العدو. ويبشرهم بأنهم الأمة التي ستستخلف في الأرض، وتكون الشاهدة الوسط على ساحة التاريخ. ويدفعهم نحو حركة جهادية دائبة للحفاظ على دينهم والتضحية من أجل نشر تعاليم رسالتهم. ويحثهم على التلاحم والاتحاد ويفرض عليهم اتخاذ موقف الغلظة والشدة تجاه الأعداء وينهى عن الركون إليهم... وهذه التعاليم تحبط مخططات الهيمنة الاستعمارية وتصد كل محاولات السيطرة على المسلمين. من هنا شمر المستعمرون عن ساعد الجد لإبعاد شعوب الشرق عن هذه القوة المعنوية وهذا السلاح الماضي.
من جانب آخر، وجد الطامعون أن اقتلاع جذور هذا الدين، الضاربة في أعماق التاريخ والثقافة، ليس بالأمر السهل، بل قد تكون عملية الاقتلاع هذه تؤدي إلى إثارة مشاعر المسلمين الدينية ضدهم وتصادر جهودهم. لذلك كان سبيلهم الأفضل حفظ الطقوس بظواهرها الصاخبة الطنانة وعزل الدين عن الجوانب الثورية الحركية وجعله خاليا من أي تأثير على الساحة الحياتية.
كانوا يستهدفون في الواقع، بعملهم هذا، القضاء على الدين. ولكنهم بهذه الطريقة تجنبوا إثارة المشاعر الدينية ضد السمتعمرين، وحافظوا على الظواهر الفارغة التي تستطيع أن تقف بوجه التيارات الأخرى التي تعلن معارضتها للدين(1)، بعبارة أخرى استطاعوا أن يحولوا الدين بهذه الخطة من مصدر خطر يهدد تدخلهم وهيمنتهم إلى حام لمصالحهم أمام القوى المنافسة.
______________________
1 ـ المقصود القوي اليسارية المعارضة للغرب(المترجم).