ـ(84)ـ
الفائزون بالهداية الإلهية والسعادتين الدنيوية والأخروية وجميع المواهب الربانية، ومنها السلطة السياسية السليمة والعلم المفيد والحضارة: [إن للمتقين مفازا].
والبرنامج الإصلاحي القرآني يتناول الإصلاح الاجتماعي ككل ولا يقتصر على الجانب الفردي، ويتوقف إصلاح المجتمع على إصلاح الفرد، ولا يمكن أن يتركب المجتمع الصالح من أفراد فاسدين، وهذا لا يعني أننا يجب أن نقف مكتوفي الأيدي إزاء إصلاح المجتمع حتى يتم إصلاح كل أفراده، بل ينبغي أن نبذل الجهود والهمم نحو إصلاح النفوس وتربيتها على التقوى، بموازاة الجهود الإصلاحية الأخرى. ولابد أن نعترف أن أي علم ـ وحتى العلوم التجريبية والطبيعية فضلا عن العلوم الإنسانية ـ ينفع في المجتمع المتقي، ويضر في غيره لأن العلم هنا سيكون كالشفرة بيد السكران؛ وللأسف فان العالم يعاني اليوم من هذه الحالة، وإن الغرب الذي يحمل لواء العلم والمدنية والصناعة بعيد كل البعد عن التقوى، وبالتالي فان معظم الكوارث والفجائع التي تقع في العالم تنشأ عن هذه الحالة أجل، فعالم اليوم أصبح عالماً جاهلياً، أو كما أثبت الشهيد سيد قطب في كتابه "جاهلية القرن العشرين" أن جميع رذائل العهد الجاهلي تتكرر اليوم، ولكن تحت ستار التطور والعلم والصناعة في العالم الغربي.
إن مدنية العالم الغربي مدنية مريضة ولابد من أن تعالج لكي يشفى العالم من هذا المرض المعدي. وهذا هو الفارق الرئيس بين الحضارة الغربية والحضارة الإسلاميّة التي تقوم على أساس التقوى، ويمكن القول أن نتيجة الحضارة الإسلاميّة تأسيس مجتمع متطور متكامل، أما نتيجة الحضارة الأوربية فهي الإباحية واستكبار فريق من البشر واستضعاف آخرين.