ـ(188)ـ
لحقت بهما جراء الحروب الصليبية المسلحة.
لقد كان الاستشراق والتبشير رأس الحربة في مؤامرة الغزو الفكري والحضاري التي لا زالت مستمرة حتّى هذه الساعة، بهدف إفراغ الفكر الإسلامي من محتواه، وتحويله إلى كيان عقيم لا حياة فيه. كما أنهما مهّدا الطريق لظهور الاستعمار بنوعيه الجديد والقديم. ولولا هذين السلاحين المدمرين لما كان للاستعمار موطئ قدم في عالمنا الإسلامي الرحب. وانطلاقاً من ذلك يمكن أن نقول بأن تاريخ الاستعمار في بلادنا الإسلاميّة قد بدأ حقيقة مع دخول أول وجبة تبشيرية استشراقية إليها.
وقد تميزت هذه الطلائع الاستعمارية بحقد عجيب ضد الإسلام رغم محاولاتها المكثفة لإخفائه، إلا أنّه كان يظهر أحياناً رغماً عنهم. فيقول وليم جيفورد بالكراف: متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا حينذاك أن نرى العربي يتدرج في سبيل الحضارة التي لم يبعده عنها إلاّ محمد وكتابه!"(1). كما صرحت مجلة "المشرق المسيحي" التي كانت تنشرها جمعية التبشير الشرقية الألمانية: "لقد أزف الوقت الذي يزعزع فيه الإسلام من أركانه وينتشر الإنجيل بين الشعوب الإسلاميّة"(2).
وقال المبشِّر جون تأكل (John Takle): "يجب أن نستخدم كتاب المسلمين ـ وهو أمضى سلاح في الإسلام ـ ضد الإسلام نفسه لنقضي عليه تماماً. يجب أن نري هؤلاء الناس أن الصحيح في القرآن ليس جديداً، وأن الجديد فيه ليس صحيحاً"(3).
______________________
1 ـ شاتليه الغارة على العالم الإسلامي، ص 93 ـ 94 ترجمة اليافي والخطيب.
2 ـ المصدر السابق : 107 ـ 108.
3 ـ مصطفى خالدي وعمر فروخ التبشير والاستعمار في البلاد العربية: 40.