ـ(180)ـ
قال الطبرسي: السائح من ساح في الأرض يسيح سيحاً إذا استمر في الذهاب، ومنه السيح للماء الجاري قال: ومن ذلك يسمى الصائم سائحاً، لاستمراره على الطاعة في ترك المشتهى.. قال: وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (سياحة أمتي الصيام) (1).
نعم، إنما كان الصيام سياحة للمؤمن، لأنها عبادة خالصة يقوم بها العبد، طالباً وجه ربه، بعيدا عن كل شائبة الرياء والضمائم التي قد تعتري سائر العبادات. فالصائم خالص بوجهه لله، هائم في بيداء عبادة ربه الكريم. لا يثنيه عن عزمه شوائب الاكدار ودنائس الأقذار.
وسأل رجل من هذيل عن قوله تعالى: [ومن كفر فإن الله غني عن العالمين] (2). ما هو المراد من الكفر هنا، حيث كان ترك الحج ـ وهو فريضة كسائر الفرائض ـ لا يوجب كفراً بالله تعالى فقال صلى الله عليه وآله: (من تركه لا يخاف عقوبته ولا يرجو مثوبته) (3) أي من ترك الحج ترك جحود، ناشئاً عن عدم الإيمان بشريعة الله تعالى.
وهكذا في سائر الموارد، حيث وجد إبهام في وجه الآية، كانوا يراجعونه ويسألونه الحل والإيضاح. وقد أوردنا غرراً من ذلك في كتابنا: (التفسير والمفسرون)ـ حقل التفسير المأثور عن النبي صلى الله عليه وآله.
وأيضاً كان (عليه السلام) يتعرض للتفسير بنفسه عندما يلقي على أصحابه شيئاً من آيات الذكر الحكيم.
كان صلى الله عليه وآله يتلو على أصحابه العشر من الآيات، لا يتجاوزهن حتى يعلمهم تفسيرها وتأويلها. فقد أخرج ابن جرير بإسناده عن ابن مسعود، قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر
______________________
1 ـ مجمع البيان 5 : 74 ـ 76.
2 ـ المائدة : 89.
3 ـ الإتقان للسيوطي 4 : 218.