ـ(75)ـ
بالجانب العبادي أو غيره ـ تتمتع بصفة الثبات والاستقرار، ولم تكن هذه التشريعات مرتبطة في تشريعها بمصلحة آنية حتى يقال بإمكانية انتفاء ذلك التشريع بانتفاء تلك المصلحة، وربما كانت بعض التشريعات ليس وراءها من غاية غير امتحان العباد في الطاعة والتسليم لله وأمره، فلا معنى للبحث عن قابلية مثل هذه التشريعات للتغيير على أساس القول بوجود مصالح معينة قد استنفذتها تلك التشريعات. فالأصل الأولي يقتضي إذن الالتزام بمضمون كل تشريع إلهي إلاّ أن يثبت نسخه أو انتهاء أمده أو تغير موضوعه أو طروء تخصيص أو تقييد له، وهذه أمور يقررها من نظر في أحكام الله تعالى واستكمل كل ماله مدخلية في معرفة الأحكام الشرعية.
ثالثاً: البعد التشريعي المتغير
ذكرنا فيما سبق أن للإنسان جنبتين: "جنبة ثبات" و "جنبة تغير"، ومن الطبيعي أن تراعي الشريعة الإلهية الجنبتين معاً، فتشرع من التشريعات ما يتوافق وثوابت الإنسان، وهو ما اصطلحنا عليه بـ"البعد التشريعي الثابت"، وتشرع من التشريعات ما يراعي الظروف والأحوال والمصالح المتغيرة للإنسان، وهو ما يمكننا أن نصطلح عليه بـ"البعد التشريعي المتغير"، وتسليم كل فقهاء الإسلام بوجود أحكام أولية وأحكام ثانوية في التشريع الإسلامي يعد تسليماً بهذه الحقيقة وإذعاناً لها. ونحن نجد في بعض الممارسات التاريخية للأئمة (عليهم السلام) ولبعض فقهاء الإسلام ما يدلل على قابلية بعض التشريعات للتعيير على ضوء المصالح والمفاسد المتجددة. وعلى هذا الأساس لا نعتقد أن أصل المسألة يقبل التشكيك أو الرفض، وإنما الكلام في الجزئيات وكون التشريع الكذائي له قابلية الخضوع للتغيير أو التعطيل المؤقت أم أنه لا يقبل التغيير والتعطيل على كل حال،