ـ(63)ـ
وفي الحديث عن الثابت والمتغير تواجه الباحث أسئلة واستفسارات عديدة لا يمكنه التجاوز والأعراض عنها أو التقليل من أهميتها، من قبيل: هل أن في الدين أو الشريعة ثابت ومتغير؟ وما معنى الثبات والتغير فيهما؟ وما هي مجالات الثبات ومجالات التغير؟ والاهم من ذلك كله لمن تكون صلاحية تحديد الثابت من المتغير؟ .. إذ ليس من المعقول أن يفتح الباب على مصراعيه لكل أحد من أجل أن يقرر أن هذا الأمر ثابت لا يقبل التغيير وأن الآخر متغير لا يقبل الثبات.
ومما ينبغي الالتفات إليه أن إشكالية الثابت والمتغير ترتبط أشد الارتباط بإشكالية تجديد الفكر الديني، بل تعد بُعداً رئيسياً من أبعادها، لأن أيّة خطوة يراد إنجازها في مهمة التجديد لابد أن يسبقها موقف محدد من مسألة الثابت والمتغير. ومن الواضح أن عملية التجديد لا يمكن قبولها إلاّ في ظل التسليم بإمكانية التغيير ولو بأدنى مستوياته.
ورغم ما كتب عن إشكالية الثابت والمتغير في "الدين" أو في "الفكر الديني" فإنه يبقى البحث محتاجاً إلى مزيد من النظر والتدقيق، لأن المحصلة النهائية للبحث لا يمكن أن تبقى مبهمة وغير مضبوطة، في الوقت الذي يتحرك الكثيرون لحذف الكثير من الثوابت الدينية على أساس قابلية الدين أو الفكر الديني للتغيير، وأن الثبات المطلق أو المقيد على أصول الدين أو فروعه يفقد الدين والفكر الديني قدرة الفاعلية والتأثير في الأوضاع المتغيرة والمتحركة التي يعيشها الإنسان المعاصر. وفي الجهة المقابلة هناك من يصرّ على أن لا متغير في الدين وأن حلال الدين حلال إلى يوم القيامة وأن حرامه حرام إلى يوم القيامة أيضاً، وأن لا مجال أبداً لأي تغير أو تغيير في أحكام الله سبحانه وتعالى، وربما يعمم بعض أصحاب هذا الرأي هذا الحكم على كلّ معارف الإسلام وعلوم الدين، من دون الالتفاف إلى ضرورة التمييز بين الدين والفكر الديني.