ـ(58)ـ
وقد فند السيد محمّد تقي الحكيم هذه الفكرة جملة وتفصيلا ببيان يمكننا تلخيصه بأن تقدم الكتاب على السنة إذا كان بمعنى التقدم عليها عند التعارض بينهما، فان التعارض بين الكتاب والسنة أمر لا يعقل، وما يحصل هو التعارض بين الكتاب والأخبار الحاكية عن السنة، لا السنة نفسها.
وإذا كان التقدم بمعنى الشرف، والأولوية، وأن الكتاب، والسنة بمنزلة الدليل الواحد، فأن الحكم الكتابي لا يتم بيانه إلاّ بالسنة، والحجية تتم بهما معا. على أن التقدم بالشرف، وموضوع الأولوية لا معنى لأدراجه في مباحث الأصول لأنه لا يؤدي إلى نتيجة استنباطية، وإذا كان بمعنى عدم النظر إلى السنة إلاّ إذا أحوجنا الكتاب إليها فهذا المعنى غريب إذ لا يعقل الاستغناء بالكتاب، ومن السنة بيانه، وشرحه، وشروط أحكامه. ثم ختم قائلاً: "فالحق أن السنة في مجالات الاستدلال صنو للكتاب، وفي رتبته"(1).
ويمكن أن يكون قوله تعالى: [وما ينطق عن الهوى إنّ هو إلاّ وحي يوحى](2). دليلاً على ما ذهب عليه، فإن الآية تدل على أن الوحي ليس خاصاً بما يتلوه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من القرآن، وإنما شامل لكل ما ينطق به، ولذا قسم الغزالي الوحي إلى ما يتلى فيسمى كتاباً، وما لا يتلى، وهو: السنة، وحينئذ، فالكتاب، والسنة يرجعان إلى أصل واحد، وهو الوحي الذي هو وحدة شرعية واحدة لا يمكن التفكيك بين أجزائه، ولا إجراء التفاضل بين هذه الأجزاء.
ومن البحوث التي تناولوها ضمن بحث السنة، بحث سنة الصحابة، حيث ذهبوا إلى حجية سنة الصحابة قال الشاطبي: "سنة الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ سنة يعمل عليها ويرجع إليها". واستدل على ذلك بثلاثة أدلة هي:
______________________
1 ـ الحكيم، السيد محمد تقي. المصدر السابق: 134 ـ 137.
2 ـ النجم: 3 و 4.