ـ(56)ـ
بها القرائن، وقال الجمهور: إنها مقبولة في الحدود، وخالف في ذلك أكثر الحنفية واستدلوا على حجية خبر الواحد بأدلة عديدة منها:
1 ـ القياس على قبول شهادة العدلين، فإنها قائمة على أساس ترجيح جانب الصدق على جانب الكذب. وكذلك خبر الواحد نعمل به ترجيحا لصدقه على كذبه، وأيد بعضهم ذلك بأن العقل يحكم بالعمل بما هو راجح الصدق، وعدالة الراوي المشترطة في خبر الواحد تجعل الصدق راجحا على الكذب.
2 ـ قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)"نظّر الله عبداً سمع مقالتي، فحفظها، ووعاها، وأداها" ومعلوم أنّ الاحتجاج بهذا الحديث متوقف على تواتره، لأنه إن كان من خبر الواحد لا يصح الاستدلال به على حجية أخبار الآحاد، بل قد يقال أنه لا يصلح للاحتجاج حتى على فرض كونه متواتراً، فقد تكون الحجية للخبر الذي يرويه عدة سامعين على نحو التواتر، ويؤدونه للآخرين، وغاية ما في هذا الحديث الحث على أن يسمع المؤمن الأخبار، ويحفظها، وينقلها للأجيال، وهو لا يلازم الحجية التي قد تكون خاصة بحالة ما إذا نقل عدة رواة خبراً ما بحيث يؤمن تواطؤهم على الكذب.
3 ـ إجماع الصحابة على العمل بخبر الآحاد.
4 ـ بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اثني عشر رسولاً إلى اثني عشر ملكاً، فلولا أن خبر الآحاد حجة لكان عمل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا لاغياً.
وقد يناقش في هذا الدليل أيضاً بأن الحجية لم تكن لأولئك الرسل أنفسهم، وإنما كانت للكتب والرسائل التي وجهها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للملوك كما هو الأمر في بعثة الأنبياء، فان مجرد مجيء النبي إلى الناس لا يقوم حجة عقلية عليهم، وإنما الحجة
______________________
1 ـ المصدر السابق: 454.