ـ(179)ـ
بعد إقامة الحجة بالرسالات والكتب.
والواقع أن المختلفين جميعاً مستهدفون هدفا واحداً هو: اتصاف الله تعالى بأوصاف الكمال والجلال، ولم يقل أحد إن العقل والشرع قد اختلفا في شيء ما من جهة أنه حسن أو قبيح، وإنما الكلام في جواز ذلك أو عدم جوازه، فمن جوزه فإنما يفر من تقييد الله تعالى المنافي لالوهيته، وكونه يفعل ما يشاء لا معقب لحكمه، ومن أحاله فإنما يفر من وصفه ـ جل شأنه ـ بأنه يجوز عليه فعل شيءٍ يراه العقل قبيحاً، وليس المصير إلى أحد القولين بواجب في العقيدة.
وقل مثل ذلك في جميع المسائل النظرية التي تذكر في كتب الكلام ويهتم بها علماؤه، وتعطى في نظر كثير من أهل المذاهب أو الطوائف أهمية فوق ما تستحق، ويصل بها الأمر أحياناً إلى أن تكون سبباً في الفرقة بين المسلمين، بل إلى أن ينظر بعضهم إلى بعض كأنهم أهل أديان مختلفة، وربما طوعت العصبية المذهبية لبعضهم أن يستنصر بمخالفيه في الدين على مخالفيه في المذهب أو الطائفة، مع أنهم جميعاً إخوة في الإسلام.
ب ـ وفي جانب المسائل الفقهية:
من أمثلة ذلك:
1 ـ تشديد بعض العلماء على الشافعية في قولهم بحل الحيوان الذي تركت التسمية عليه عمداً ؛ لظنهم أن هذا مصادم مصادمة ً صريحةً لقوله تعالى: [ ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق] (1) وقد بلغ ببعضهم التشديد في ذلك إلى أن عدوه زيغا، مع أنها مسألة خلافية، وللشافعية فيه وجهة نظرهم، حيث حملوا الآية على آية أخرى وهي قولـه تعالى: [قل لا أجد في ما أو حي إلي محرما على طاعم يطعمه إلاّ أن يكون ميتة أو دما مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس أو
________________________
1 ـ الأنعام: 121.