@ 335 @ ثم إذا ظهر عليهم الحديث بعد رجعوا من احتهادهم إلى الحديث ، فإذا كان الأمر على ذلك ، لا يكون عدم تمسكهم بالحديث قدحا فيه ، اللهم إلا إذا بينوا العلة القادحة ، مثاله : حديث القلتين ، فإنه حديث صحيح ، روى بطرق كثيرة ، معظمها يرجع إلى أبي الوليد بن كثير ، عن محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عبد الله ، أو : محمد بن عباد بن جعفر عن عبيد الله ابن عبد الله ، كلاهما عن ابن عمر ، ثم تشعبت الطرق بعد ذلك ، وهذان ، وإن كانا من الثقات ، لكنهما ليسا ممن وسد إليهم الفتوى ، وعول الناس عليهم . فلم يظهر الحديث في عصر سعيد بن المسيب ، ولا في عصر الزهري ، ولم يمش عليه المالكية ، ولا الحنيفة ، فلم يعملوا به ، وعمل به الشافعي . وكحديث ( ( خيار المجلس ) ) فإنه حديث صحيح ، روى بطرق كثيرة ، وعمل به ابن عمر وأبو هريرة من الصحابة ، ولم يظهر على الفقهاء السبعة ومعاصريهم ، فلم يكونوا يقولون به ، فرأى مالك وأبو حنيفة هذه علة قادحلة في الحديث وعمل به الشافعي . .
ومنها أن أقوال الصحابة جمعت في عصر الشافعي فتكثرت واختلفت وتشعبت ، ورأى كثيراً منها يخالف الحديث الصحيح حيث لم يبلغهم ، ورأى السلف لم يزالوا يرجعون في مثل ذلك إلى الحديث ، فترك التمسك بأقوالهم ، ما لم يتفقوا ، وقال : هم رجال ونحن رجال ! .
ومنها : أنه رأى قوماً من الفقهاء يخلطون الرأي الذي لم يسوغه الشرع بالقياس الذي أثبته فلا يميزون واحداً منها من الآخر ، ويسمونه تارة بالاستحسان . وأعنى بالرأي أن ينصب مظنة حرج أو مصلحة علة الحكم ، وإنما القياس أن تخرج العلة من الحكم المنصوص ، ويدار عليها الحكم ، فأبطل هذا النوع أتم إبطال . وقال : من استحسن فإنه أراد أن يكون شارعا - حكاه ابن الحاجب في مختصر الأصول - . مثاله : رشد اليتيم أمر خفي ، فأقاموا مظنة الرشد ، وهو بلوغ خمس وعشرين سنة ، مقامه ، وقالوا : إذا بلغ اليتيم هذا العمر ، سلم إليه ماله . قالوا : هذا استحسان ، والقياس أن لا يسلم إليه . وبالجملة لما رأى في صنيع الأوائل مثل هذه الأمور ، أخذ الفقه من الرأس ، فأسس الأصول وفرع الفروع ، وصنف الكتب ، فأجاد وأفاد ، واجتمع عليه الفقهاء ، وتصرفوا اختصاراً وشرحا