@ 329 @ الروايتين . فذهب الشعبي وغيره إلى أن النهي مختص بالصحراء ، فإذا كان في المراحيض ، فلا بأس بالاستقبال والاستدبار . وذهب قوم إلى أن القول عام محكم ، والفعل يحتمل كونه خاصاً بالنبي . فلا ينتهض ناسخاً ، ولا مخصصاً وبالجملة فاختلفت مذاهب أصحاب النبي ، وأخذ عنهم التابعون كذلك كل واحد ما تيسر له ، فحفظ ما سمع من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومذاهب الصحابة ، وعقلها ، وجمع المختلف على ما تيسر له ، ورجح بعض الأقوال على بعض ؛ واضمحل في نظرهم بعض الأقوال ، وإن كان مأثوراً عن كبار الصحابة ، كالمذهب المأثور عن وابن مسعود في تيمم الجنب ، اضحمحل عندهم لما استفاض من الأحاديث عن عمار وعمران بن الحصين وغيرهما . فعند ذلك صار لكل عالم من علماء التابعين مذهب على حياله . فانتصب في بلد إمام ، مثل سعيد بن المسيب ، وسالم بن عبد الله بن عمر في المدينة ، وبعدهما الزهري ، والقاضي يحيى بن سعيد ، وربيعة بن عبد الرحمن فيهان وعطاء بن أبي رباح بمكة ، وإبراهيم النخعي والشعبي بالكوفة ، والحسن البصري بالبصرة ، وطاوس بن كيسان باليمن ، ومكحول بالشام . فأظمأ الله أكباداً إلى علومهم فرغبوا فيها ، وأخذوا عنهم الحديث . وفتاوي الصحابة وأقاويلهم ، ومذاهب هؤلاء العلماء وتحقيقاتهم من عند أنفسهم ، واستفتي منهم المتفتون . ودارت المسائل بينهم ورفعت إليهم الأقضية ، وكان سعيد بن المسيب وإبراهيم وأمثالهما ، جمعوا أبواب الفقه أجمعها ، وكان لهم في باب أصول تلقوها من السلف . وكان سعيد وأصحابه يذهبون إلى أن أهل الحرمين أثبت الناس في الفقه ، وأصل مذهبهم فتاوي عبد الله بن عمر وعائشة وابن عباس وقضايا قشاة المدينة فجمعوا من ذلك ما يسره الله لهم ، ثم نظروا فيها نظر اعتبار وتفتيش ، فما كان منها مجمعاً عليه بين علماء المدينة ، فإنهم يأخذون عليه بنواجذهم ، وما كان فيه اختلاف عندهم فإنهم يأخذون بأقواها وأرجحها ، إما بكثرة من ذهب إليه منهم أو لموافقته بقياس قوى ، أو تخريج صريح من الكتاب والسنة أو نحو ذلك ، وإذا لم يجدوا فيما حفظوا منه جواب المسألة خرجوا من كلامه وتتبعوا الإيماء ، فحصل لهم مسائل كثيرة في كل باب . وكان إبراهيم