@ 325 @ ثم رجوعه إلى خبر مغيرة ، وسؤاله إياهم في الوباء ، ثم رجوعه إلى خبر عبد الرحمن بن عوف ، وكذا رجوعه في قصة المجوس إلى خبره ، وسرور عبد الله بن مسعود بخير معقل بن يسار لما وافق رأيه ، وقصة رجوع أبي موسى عن باب عمر ، وسؤاله عن الحديث ، وشهادة أبي سعيد له وأمثال ذلك كثيرة معلومة مروية في الصحيحين والسنن . وبالجملة فهذه كانت عادته الكريمة . فرأى كل صحابي ما يسره الله له من عبادته وفتاواه وأقضيته ، فخفظها وعقلها ، وعرف لكل شيء وجها من قبل حفوف القرائن به ، فحمل بعضها على الإباحة ، وبعضها على النسخ لأمارات وقرائن كانت كافية عنده ، ولم يكن العمدة عندهم إلا وجدان الاطمئنان والثلج من غير التفات إلى طرق الاستدلال ، كما ترى الأعراب يفهمون مقصود الكلام فيما بينهم وتثلج صدورهم بالتصريح والتلويح والإيماء من حيث لا يشعرون ، فانقضي عصره الكريم وهم على ذلك . ثم إنهم تفرقوا في البلاد ، وصار كل واحد مقتدي ناحية من النواحي . فكثرت الوقائع ، ودارت المسائل ، فاستفتوا فيها . فأجاب كل واحد حسب ما حفظه أو استنبط . وإن لم يجد فيما حفظه أو أشتنبط ما يصلح للجواب ، اجتهد برأيه ، وعرف العلة التي أدار رسول الله عليها الحكم في منصوصاته ، فطر الحكم حيثما وجدها ، لا يألو جهداً في موافقه عرضه عليه الصلاة والسلام فعند ذلك وقع الاختلاف بينهم على ضروب ، منها : أن صحابيا سمع حكما في قضية أو فتوى ، ولم يسمعه الآخر ، فاجتهد برأيه في ذلك ، وهذا على وجوه . .
أحدها : أن يقع اجتهاده موافق الحديث ، مثاله ما رواه النسائي وغيره أن ابن مسعود رضي الله عنه سئل عن امرأة مات عنها زوجها ول يفرض لها - أي لم يعين لها لمهر - فقال : لم أر رسول الله يقضي في ذلك . فاختلفوا عليه شهراً وألحوا ، فاجتهد برأيه وقضى بأن لها مهر نسائها لا وكس ولا شطط وعليها العدة ، ولها الميراث ، فقام معقل بن يسار ، فشهد بأنه قضى بمثل ذلك في امرأة منهم . ففرح بذلك ابن مسعود فرحة لم يفرح مثلها قط بعد الإسلام .