@ 39 @ ما حملني على مفارقة أبوي والخروج من مالي إلا حب الأثرة لله ومع ذلك الزهد في الدنيا والرغبة في جوار الله تعالى .
فقال إياك والبخل قلت ما البخل فقال أما البخل عند أهل الدنيا فهو أن يكون الرجل بخيلا بماله وأما الذي عند أهل الآخرة فهو الذي يبخل بنفسه عن الله تعالى ألا وإن العبد إذا جاد بنفسه لله أورث قلبه الهدى والتقى وأعطى السكينة والوقار والعلم الكامل ومع ذلك تفتح له أبواب السماء فهو ينظر إلى أبوابها بقلبه كيف تفتح وإن كان في طريق الدنيا مطروحا .
فقال له رجل من أصحابه اضربه فأوجعه فإنا نراه غلاما قد وفق لولاية الله تعالى قال فتعجب الشيخ من قول أصحابه قد وفق لولاية الله تعالى فقال لي يا غلام أما إنك ستصحب الأخيار فكن لهم أرضا يطأون عليك وإن ضربوك وشتموك وطردوك وأسمعوك القبيح فإذا فعلوا بك ذلك ففكر في نفسك من أين أتيت فإنك إذا فعلت ذلك يؤيدك الله بنصره ويقبل بقلوبهم عليك اعلم أن العبد إذا قلاه الأخيار واجتنب صحبته الورعون وأبغضه الزاهدون فإن ذلك استعتاب من الله تعالى لكي يعتبه فإن أعتب الله عز وجل أقبل بقلوبهم عليه وإن تمرد على الله أورث قلبه الضلالة مع حرمان الرزق وجفاء من الأهل ومقت من الملائكة وإعراض من الرسل بوجوههم ثم لم يبال في أي واد يهلكه .
قال قلت إني صحبت وأنا ماش بين الكوفة الكوفة ومكة رجلا فرأيته إذا أمسى يصلي ركعتين فيهما تجاوز ثم يتكلم بكلام خفي بينه وبين نفسه فإذا جفنة من ثريد عن يمينه وكوز من ماء فكان يأكل ويطعمني قال فبكى الشيخ عند ذلك وبكى من حوله ثم قال يا بني أو يا أخي ذاك أخي داود ومسكنه من وراء بلخ بقرية يقال لها الباردة الطيبة وذلك أن البقاع تفاخرت بكينونة داود فيها يا غلام ما قال لك وما علمك