@ 109 @ .
وهذا آخر النصف الأول من كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى قد شرعنا في إملائه منتصف رجب الفرد الحرام من سنة سبع وتسعين ومائتين وألف وفرغنا منه في منتصف ذي الحجة الحرام في السنة المذكورة ونشرع بعون الله تعالى في الجزء الثاني منه مفتتحا بما يكون كالتوطئة لدولة بني وطاس من أخبار البرتغال على الجملة وعلى الله تعالى الكمال بمنه وفضله $ أخبار البرتغال بالمغرب الأقصى على الجملة $ .
اعلم أن هذا المغرب الأقصى حرسه الله وكلأه بعين حفظه لم يزل بجميع ثغوره وسواحله وأقطاره منذ الفتح الإسلامي إلى المائة التاسعة محفوظا الجوانب من طروق أمم الفرنج وغيرهم من أعداء الدين محفوف الأكتاف بالحامية من جنود المسلمين مرهوبة شوكة ملوكه عند أمم النصرانية جيلا بعد جيل وأمة بعد أمة ودولة بعد دولة لم تكن الفرنج تحدث نفسها بغزو شيء من بلاده أو طرق ثغر من ثغوره أو الاستيلاء على شيء من سواحله ولم يكن أهله أيضا يتوقعون ذلك منهم ولا يخشونه بل هم الذين كانوا يغزون الفرنج في عقر ديارهم وأعز بلادهم ويحامون عن بلاد الأندلس وسواحل إفريقية وغيرها متى هاج أهلها هيج من ذلك حسبما تقدمت الأخبار المفصحة عن ذلك ولم يبلغنا أن جنسا من أجناس الفرنج فيما قبل المائة التاسعة غزا شيئا من أطراف المغرب الأقصى أو ثغرا من ثغوره بقصد الاستيلاء والتملك إلا ما كان من مدينة سلا التي دخلها الإصبنيول غدرا أيام الفتنة بين اليعقوبين ثم خرجوا عنها لمدة يسيرة حسبما مر وإلا ما كان من محاصرة أهل جنوة لسبتة ثم الإقلاع عنها كذلك ونحو هذا مما لا يعتبر فلما دخلت المائة التاسعة ومضى صدرها وتداعت دول المغرب من بني أبي حفص بإفريقية وبني زيان بالمغرب الأوسط وبني مرين بالمغرب الأقصى