@ 85 @ أصحابه ومعهم طعام يأكلونه فأرادوا مني الأكل فقلت إني صائم فنظر إلي سيدي الحاج نظرة منكرة وقال لي هذا يوم فرح وسرور يستقبح في مثله الصوم كالعيد فتأملت قوله فوجدته حقا وكأنه أيقظني من النوم اه .
واعلم أنه في آخر هذا القرن الثامن تبدلت أحوال المغرب بل وأحوال المشرق ونسخ الكثير من عوائد الناس ومألوفاتهم وأزيائهم قال ابن خلدون في مقدمة تاريخه بعد أن ذكر أن الأحوال العامة للآفاق والأجيال والأعصار هي أس المؤرخ الذي تنبني عليه أكثر مقاصده ما نصه وأما لهذا العهد وهو آخر المائة الثامنة فقد انقلبت أحوال المغرب الذي نحن شاهدوه وتبدلت بالجملة واعتاض من أجيال البربر أهله على القدم بمن طرأ فيه من لدن المائة الخامسة من أجيال العرب بما كثروهم وغلبوهم وانتزعوا منهم عامة الأوطان وشاركوهم فيما بقي من البلدان بملكتهم وبأسهم هذا إلى ما نزل بالعمران شرقا وغربا في منتصف هذه المائة الثامنة من الطاعون الجارف الذي تحيف الأمم وذهب بأهل الجيل وطوى كثيرا من محاسن العمران ومحاها وجاء للدول على حين هرمها وبلوغ الغاية من مداها فقلص من ظلالها وفل من حدها وأوهن من سلطانها وتداعت إلى التلاشي والاضمحلال أحوالها وانتقص عمران الأرض بانتقاص البشر فخربت الأمصار والمصانع ودرست السبل والمعالم وخلت الديار والمنازل وضعفت الدول والقبائل وتبدل الساكن وكأني بالمشرق قد نزل به مثل ما نزل بالمغرب لكن على نسبته ومقدار عمرانه وكأنما نادى لسان الكون في العالم بالخمول والانقباض فبادر بالإجابة والله وارث الأرض ومن عليها وإذا تبدلت الأحوال جملة فكأنما تبدل الخلق من أصله وتحول العالم بأسره وكأنه خلق جديد ونشأة مستأنفة وعالم محدث إلى آخر كلامه رحمه الله فافهم هذه الجملة وتفطن لأحوال الدول التي سردنا أخبارها فيما مضى وأحوال التي نسرد أخبارها فيما بعد وتأمل الفرق بين ذلك والسبب فيه والله تعالى الموفق للصواب بمنه