@ 35 @ سليمان قد هيأها لملك المغرب فأمر بإنفاذها إليه وضم إليها الزرافة الحيوان الغريب الشكل العظيم الهيكل المختلف الشبه بالحيوانات وفصلوا بها من بلادهم فوصلوا إلى حضرة فاس في صفر من سنة اثنتين وستين وسبعمائة .
قال ابن خلدون وكان يوم وفادتهم يوما مشهودا جلس لهم السلطان ببرج الذهب بمجلسه المعد لعرض الجنود ونودي في الناس بالبروز إلى الصحراء فبرزوا ينسلون من كل حدب حتى غص بهم الفضاء وركب بعضهم بعضا في الازدحام على الزرافة إعجابا بخلقتها وحضر الوفد بين يدي السلطان وأدوا رسالتهم بتأكيد الود والمخالصة والعذر عن إبطاء الهدية بما كان من اختلاف أهل مالي وتواثبهم على الأمر وتعظيم سلطانهم وما صار إليه والترجمان يترجم عنهم وهم يصدقونه بالنزع في أوتار قسيهم عادة معروفة لهم وحيوا السلطان بأن جعلوا يحثون التراب على رؤوسهم على سنة ملوك العجم وأنشد الشعراء في معرض المدح والتهنئة ووصف الحال ثم ركب السلطان إلى قصره وانفض ذلك الجمع وقد طار به طائر الاشتهار واستقر الوفد تحت جراية السلطان أبي سالم إلى أن هلك قبل انصرافهم فوصلهم القائم بالأمر من بعده وانصرفوا إلى مراكش ثم منها إلى ذوي حسان عرب السوس الأقصى من بني معقل المتصلين ببلادهم ومن هناك لحقوا بسلطانهم والأمر كله لله .
وكان مما قيل من الشعر في ذلك اليوم قول ابن خلدون من قصيدة يقول في مطلعها .
( قدحت يد الأشواق من زند % وهفت بقلبي زفرة الوجد ) .
إلى أن قال في وصف الزرافة .
( ورقيمة الأعطاف حالية % موشية بوشائع البرد ) .
( وحشية الأنساب ما أنست % في موحش البيداء بالقرد ) .
( تسمو بجيد بالغ صعدا % شرف الصروح بغير ما جهد ) .
( طالت رؤوس الشامخات به % ولربما قصرت عن الوهد )